صفحة رقم ٢١٢
لأنها سببها الحامل عليها، ويجمع الحامل على التقوى اعتقاد الواحدانية وهي لا إلا الله فإنها كلمة - كما قال الرازي - أولها نفي الشرك وآخرها تعلق بالإلهية، وهذا من أعلام النبوة، فإن أهل الحديبية الذين ألزموا هذه الكلمة ماتوا كلهم على الإسلام ) وكانوا ) أي جبلة وطبعاً.
ولما كان من الكفار من يستحقها في علم الله فيصير مؤمناً، عبر فأفعل التفضيل فقال تعالى :( أحق بها ) أي كلمة التقوى من الكفار والأعرب وغيرهم من جميع الخلق، ولمثل هذا التعميم أطلق الأمر بحذف المفضل عليه، ولما كان الأحق بالشيء قد لا يكون أهله من أول الأمر قال تعالى :( وأهلها ) أي ولاتها والملازمون لها ملازمة العشير بعشيره والدائنون لها والآلفون لها.
ولما كان الحكم بذلك لا يكون إلا لعالم قال عاطفاً على ما تقديره : لما علم الله من صلاح قلوبهم وصفائها :( وكان الله ) أي المحيط بالكائنات كلها علماً وقدرة ) بكل شيء ( من ذلك وغيره ) عليماً ) أي محيط العلم الدقيق والجلي، والآية من الاحتباك : ذكر حمية الجاهلية أولاً دليلاً على ضدها ثانياً، وكلمة التقوى ثانياً دليلاً على ضدها أولاً، وسره أنه ذكر مجمع الشر أولاً ترهيباً منه ومجمع الخير ثانياً ترغيباً فيه.
ولما قرر سبحانه وتعالى علمه بالعواقب لإحاطة علمه ووجه أسباب كفه أيدي الفريقين وبين ما فيه من المصالح وما في التسليط من المفاسد من قتل من حكم بإيمانه من المشركين وإصابة من لا يعلم من المؤمنين - وغير ذلك إلى ختم بإحاطة علمه المستلزم لشمول قدرته.
أنتج ذلك قوله لمن توقع الإخبار عن الرؤيا التي أقلقهم أمرها وكاد بعضهم أن يزلزله ذكرها على سبيل التأكيد :( لقد (.
ولما كان للنظر إلى الرؤيا اعتباران : أحدهما من جهة الواقع وهو غيب عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين : والآخر من جهة الإخبار وهو مع الرؤيا شهادة بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، عبر بالصدق والحق فقال تعالى :( صدق الله ) أي الملك الذي لا كفوء له المحيط بجميع صفات الكمال ) رسوله ( ( ﷺ ) الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الإخبار عما لا يكون أنه يكون، فكيف إذا كان المخبر رسوله ) الرؤيا ( التي هي من الوحي لأنه سبحانه يرى الواقع ويعلم مطابقتها في أنكم تدخلون المسجد الحرام آمنين يحلق بعض ويقصر آخرون، متلبساً خبره ورؤيا رسوله ( ﷺ ) ) بالحق ( لأن مضمون الخبر إذا وقع فطبق بين الواقع وبينه، وكان الواقع يطابقه لا يخرم شيء منه عن شيء منه، والحاصل أنك إذا نسبتها للواقع طابقته فكان صدقاً، وإذا نسبت الواقع إليها طابقها فكانت حقاً.
ولما أقسم لأجل التأكيد لمن كان يتزلزل، أجابه بقوله مؤكداً بما يفهم القسم أيضاً