صفحة رقم ٢١٦
ولما ذكر كثرة عبادتهم وأتبعها إخلاصهم فيها اهتماما به لأنه لا يقبل عملا بدونه، دل على كثرتها بقوله :( سيماهم ) أي علامتهم التي لا تفارقهم ) في وجوههم ( ثم بين العلامة بقوله :( من أثر السجود ( فهي نور يوم القيامة - رواه الطبراني عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) هذا مع ما لهم من مثل ذلك في الدنيا من أثر الخشوع والهيبة بحيث إنه إذا رئي أحدهم أورث لرائيه ذكر الله، وإذا قرأ أورثت قراءته حزنا وخشوعا وإخباتا وخضوعا، وإن كان رث الحال ردئ الهيئة، ولا يظن أن من السيما ما يصنعه بعض المرائين من هيئة أثر السجود في جبهته، فإذا ذلك من سيما الخوارج، وفي نهاية ابن الأثير في تفسير الثفن، ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : رأى رجلا بين عينيه مثل ثفنة العنز، فقال : لو لم يكن هذا لكان خيا يعني كان على جبهته أثر السجود، وإنما كرهها خوفا من الرياء بها، وقد روى صاحب الفردوس عن أنس رضي الله عنه عن النبي ( ﷺ ) أنه قال : إني لأبغض الرجل وأكرهه إذا رأيت بين عينيه أثر السجود.
ولما أتم وصفهم بهذا الأمر الذي لا يقدر عليه أحد إلا من صفاء الله من جميع حظوظه وشهواته، أشار إلى علوه فقال :( ذلك ) أي هذا الوصف العالي جدا البديع المثال البعيد المنال ) مثلهم في التوراة ( فإنه قال فيها : أتانا ربنا من سببنا وشرق لنا من جبل ساعير، وظهر لنا من جبل فاران، معه ربوات الأطهار على يمنه، أعطاهم وحببهم إلى الشعوب وبارك على جميع أطهاره وهم يتبعون آثارك. فظهوره من فاران صريح في نبوة محمد ( ﷺ ) فإنه لم يأت منها - وهي جبال مكة باتفاقهم - بعد نزول التوراة بالنبوة غيره ( ﷺ )، وربوات الأطهار إشارة إلى كثرة أمته، وأنهم في الطهارة كالملائكة، وأيه ذلك جعلهم من أهل اليمين، ووصفهم بالتحبيب إلى ىالشعوب، فكل ذلك دال على ما وصفوا به منا من شهادة الوجود - هذا مع ما وجدته في التوراة بعد تبديلهم لما بدلوا منها وإخفائهم كما قال الله تعالى لكثير، وروى أصحاب فتوح البلاد في فتح بيت المقدس من كعل الأحبار أن سبب إسلامه أن أباه كان أخبره أنه ذخر عنه ورقتين جعلهما في كوة وطين عليهما، وأمره أن يعمل بهما بعد موته، قال : فلما مات فتحت عنهما فإذا فيهما : محمد رسول الله خاتم النبيين لا نبي بعده مولده بمكة ومهاجره بطيبة ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يجزي بالسيئة الحسنة ويعفو ويغفر ويصفح، وإن أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل


الصفحة التالية
Icon