صفحة رقم ٢١٨
وإذا أعجبهم وهم في غاية العناية بأمره والتفقد لحاله والملابسه له ومعرفة معانية كان لغيرهم أشد إعجابا، ومثل لأنهم يكونون قليلين ثم يكثرون مع البهجة في عين الناظر لما لهم من الرونق الذي منشؤه نور الإيمان وثبات الطمأنينة والإيقان وشدة الموافقة من بعضهم لبعض، ونفي المخالف لهم وإبعاده، وقد تقدم في هذا الكتاب في آخر المائدة أمثال ضربت في الإنجيل بالزرع أقربها إلى هذا مثل حبة الخردل فراجعه.
ولما أنهى سبحانه مثلهم، ذكر الثمرة في جعلهم كذلك فقال :( يغيظ ( معلقا له بما يؤخذ من معنى الكلام وه جعلهم كذلك لأجل أن يغيظ ) بهم ) أي غيظا شديدا بالغ القوة والإحكام ) الكفار ( وذلك أنهم لما كانوا أولأمر قليلا، كان الكفار طامعين في أن لا يتم لهم أمر، فكلما ازدادوا كثرة مع تمادي الزمان زاد غيظ الكفار منهم، فكيف إذا رأوا مع الزيادة والقوة منهم حسنا ونضارة ورونقا وبهجة ن فهو في الغيظ مما لو كانوا في أول الأمر كثيرا لأنه كان يكون دفعه ويقصر زمنه، فمن أبغض صحابيا خيف عليه الكفر لأنهم أول مراد بالآية، وغيرهم بالقصد الثاني وبالتبع، ومن أبغضهم كلهم كان كافرا، وإذا حملناه على غيرهم كان دليلا على أن كل من خالف الإجماع كفر، قاله القشيري.
ولما ثم مثلهم وعلة جعلهم كذلكط، بشرهم فقال فيموضع وعدهم لتعليق الوعد بالوصف على عادة القرآن ترغيبا في التمسك به وترهيبا من مجانبته :( وعد الله ) أي الملك الأعظم ) الذين آمنوا ( ولما كان الكلام في الدين معه ( ﷺ )، وكانت المعية ظاهرة في الاتحاد في الدين لم تكن شاملة للمنافقين، فلم يكن الاهتمام بالتقييدة بمنهم هنا كالاهتمام به في سورة النور، فأخره وقدم العمل لأن العناية به هنا أكصر، لأنه من سيماهم المذكورة فقال :( وعملوا ) أي تصديقا لدعواهم الكون معه في الدين ) الصالحات ( ولما كان قوله " معه " يعم كما مضى من بعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكان الخلل فيمن بعدهم كثيرا، قيد بقوله :( منهم ) أي من الذين معه ( ﷺ ) سواء كانوا من أصل الزرع أو فراخه وةهم التابعون لهم بإحسان.
ولما كان الإنسان وإن اجتهد مقصرا عن بلوغ ما يحق له من العبادة، أشار إلى ذلك بقوله :( مغفرة ) أي لما يقع منهم من الهفوات أو الذنوب والسيئات ) وأجرا عظيما ( بعد ذلك الستر، وقد جمعت هذه الآية الخاتمة لهذه السورة جميع حروف المعجم بشارة تلويحية مع ما فيها من البشائر التصريحية باجتماع أمرهم وعلو نصرهم، وذلك أنه لما كانت هذه العمرة قد حصل لهم فيها كسر لرجوعهم قبل وصولهم إلى قصدهم من الدخول إلى مكة المشرفة والطواف بالبيت العتيق، ولم يكن ذلك بسبب