صفحة رقم ٢٢٩
بالجحود ) والفسوق ( وهو المروق من رقبة الدين، ولو من غير تغطية بل بغير تأمل ) والعصيان ( وهو الامتناع من الانقياد عامة فلم تخالفوه، ورأيتم خلافه هلاكاً، فصرتم والمنة لله أطوع شيء للرسول ( ﷺ )، فعلم من هذا أن الله تعالى هو الفاعل وحده لجميع الأفعال من الطاعات والمنعاصي والعادات والعبادات، لأنه خالق لكم، ومدحو لفعل الله بهم لأنهم الفاعلون في اظاهرة فهو واقع موقع : أطعتم الرسول ( ﷺ ) ولم تخالفوه، وإنماوضع فعل الله وهولا يمدحون عليه موضع فعلهم الذي يمدحون عليه للحث على الشكر والإنسلاخ من العجب.
ولماأرشد السياق إلى متابعتهم على هذا الوجه، أنتج قوله مادحاً لهم ثانياً الكلام عن خطابهم إلى خطابه ( ﷺ ) ليدل على عظم هذه الأوصاف وبينه بأداة البعد على علو مقام المتصف :( أولئك ) أي الذين أعلى الله القادر على كل شيء مقاديرهم ) هم ) أي خاصة ) الراشدون ) أي الكاملون في الرشد وهو الهدى على أحسن سمت وتقدير، وفي تفسير الأصبهاني : الرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه - انتهى.
والذي أنتج الرشاد متابعة الحق، فإن الله تكفل لمن تعمد الخير وجاهد نفسه على البر بإصابة الصواب وإحكام المساعي المنافي للندم، ) والذين جاهدا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ( وقد دل السياق على أنهم كانوا في خبر الوليد صنفين : صنف صدقه وأراد غزوة بني المصطلق وأشار به، وصنف توقف، وأن الصنفين سلموا آخر الأمر رسول الله ( ﷺ ) فهدوا، فالآية من الاحتباك وهي شبيهة به : دلت الشرطية في ) لو يطيعكم ( على الاستدراكية، والاستدراكية في ) ولكن الله ( على تقدير الشرطية دلالة ظاهرة.
الحجرات :( ٨ - ١١ ) فضلا من الله.....
) فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( ( )
ولما ذكر التحبيب والتزيين والتكريه وما أنتجه من الرشاد، ذكر علته إعلاماً بأنه تعالى لا يحب عليه شيء حثاً على الشكر فقال :( فضلاً ) أي زيادة وتطولاً وامتناناً عظيماً جسيماً ودرجة عالية من الله الملك الأعظم الذي بيده كل شيء ) ونعمة ) أي وعيشاً حسناً ناعماً وخفضاً ودعة وكرامه.


الصفحة التالية
Icon