صفحة رقم ٢٣٩
المخاطبون بهذه الآية المعاتبون بها، قال أبو حيان : قال مجاهد : نزلت في بني أسد بن خزيمة - انتهى.
فلذلك اختار أبو عمرو القراءة بها، وعدل عن لغة الحجاز ) من أعمالكم شيئاً ( فلا حاجة إلى إخباركم عن إيمانكم بغير ما يدل عليه من الأقوال والأفعال، قال ابن برجان : فعموم الناس وأكثر أهل الغفلة مسلمون غير مؤمنين، فإن يعلموا علم ما شهدوا وعقدوا عليه عقداً علماً ويقيناً لهم المؤمنون.
وفي الآية احتباك من وجه آخر : ذكر عدم الإيمان أولاً دليلاً على إثباته ثانياً، وذكر توفير الأعمال ثانياً دليلاً على بخسها أو إحباطها أولاً، وسره أنه نفى أساس الخير أولاً ورغب في الطاعة بحفظ ما تعبوا عليه من الأعما ثانياً.
ولما كان الإنسان مبنياً على النقصان، فلو وكل إلى عمله هلك، ولذهب عمله فيما يعتريه من النقص، قال مستعطفاً لهم إلى التوبة، مؤكداً تنبيهاً على أنه مما حيق تأكيده لأن الخلائق لا يفعلون مثله :( إن الله ) أي الذي له صفات الكمال ) غفور ) أي ستور للهفوات والزلات لمن تاب وصحت نيته، ولغيره إذا أراد، فلا عتاب ولا عقاب ) رحيم ) أي يزيد على الستر عظيم الإكرام.
الحجرات :( ١٥ - ١٨ ) إنما المؤمنون الذين.....
) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِنُ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ( ( )
ولما نفى عنهم الإيمان، وكان ربما غلط شخص في نفسه فظن أنه مؤمن، وليس كذلك، أخبر بالمؤمن على سبيل الحصر ذاكراً أمارته الظاهرة الباطنة، وهي أمهات الفضائل : العلم والعفة والشجاعة، فقال جواباً لمن قال : فمن الذي آمن ؟ عادلاً عن جوابه إلى وصف الراسخ ترغيباً في الاتصاف بوصفه وإيذاناً بأن المخبر عن نفسه بآية إيمانه لا يريد إلا أنه راسخ :( إنما المؤمنون ) أي العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب، قال القشيري : والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس، والنفوس لا تموت ولكنها تعيش ) الذين آمنوا ) أي صدقوا معترفين ) بالله ( معتقدين جميع ما له من صفات الكمال ) ورسوله ( شاهدين برسالته، وهذا هو المعرفة التي هي العلم، وغياتها الحكمة، وهذا الإثبات هنا يدل على أن المنفي فيما قيل الكمال لا المطلق، وإلا لقال ( إنما الذين آمنوا ).


الصفحة التالية
Icon