صفحة رقم ٢٤٦
ولما أشار سبحانه إلى هذه الإحاطة بالقاف، أقسم على ذلك قسماً هو في نفسه دال عليه فقال :( والقرآن ) أي الكتاب الجامع الفارق ) المجيد ( الذي له العلو والشرف والكرم والعظمة على كل كلام، والجواب أنهم ليعلمون ما أشارت إليه القاف من قوتي وعظمتي وإحاطة علمي وقدرتي، وما اشتمل عليه القرآن من المجد بإعجازه واشتماله على جميع العظمة، ولم ينكروا شيئاً من ذلك بقلوبهم، ومجيد القرآن كما تقدم في أثناء الفاتحة ما جريب إحكامه من بين عاجل ما شهد وآجل ماعلم بعلم ما شهد، وكان معلوماً بالتجربة المتيقنة بما تواتر من القصص الماضي، وما شهد من الأثر الحاضر وما يتجدد مع الأوقات من أمثاله وأشباهه، وإذا تأملت السورة وجدت آيها المنزلة على جميع ذلك، فإنه سبحانه ذكرهم فيها ما يعلمون من خلق السماوات والأرض وما فيهما ومن مصارع الأولين وكذا السورة الماضية ولا سيما آخرها المشير إلى أنه أدخل على الناس الإيمان برجل واحد غلبهم بمجده وإعجازه لمجد منزله بقدرته وإحاطة علمه - والله الهادي، ومن أحاط علماً بمعانيه وعمل ما فيه مجد عند الله وعند الناس.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما كانت سورة الفتح قد انطوت على جملة من الألطاف التي خص الله بها عباده المؤمنين كذكره تعالى أخوتهم وأمرهم بالتثبت عند غائلة معتد فاسق ) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ ( الآية، وأمرهم بغض الأصوات عند نبيهم وأن لا يقدموا بين يديه ولا يعاملوه في الجهر بالقول كمعاملة بعضهم بعضاً، وأمرهم باجتناب كثير من الظن ونهيهم عن التجسس والغيبة، وأمرهم بالتواضع في قوله ) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( وأخبرهم تعالى أن استجابتهم وامتثالهم هذه الأوامر ليست بحولهم، ولكن بفضله وإنعامه، فقال :( ولكن الله حبب إليك الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ( الآيتين، ثم أعقب ذلك بقوله ) يمنون عليك أن أسلموا ( الآية، ليبين أن ذلك كله بيده ومن عنده، أراهم سبحانه حال من قضى عليه الكفر ولم يحبب إليه الإيمان ولا زينه في قلبه، بل جعله في طرف من حال منأمر ونهى في سورة الفتح مع المساواة في الخلق وتماثل الأدوات فقال تعالى :( والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ( الآيات، ثم ذكر سبحانه وتعالى وضوح الأدلة ) أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم ( الآيات، ثم ذكر حال غيرهم ممن كان على رأيهم ) كذبت قبلهم قوم نوح ( ليتذكر بمجموع هذا من قدم ذكره بحاله وأمره ونهيه في سورة الفتح، ويتأدب المؤمن بآداب الله ويعلم أن ما أصابه من الخير فإنما هو من فضل ربه وإحسانه، ثم التحمت الآي إلى قوله خاتمة السورة ) نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم ( الآيات - انتهى.


الصفحة التالية
Icon