صفحة رقم ٢٥٤
الغيضة إشارة إلى أنها من شدة التفافها كالشجرة الواحد.
ولما كان ) تبع ( مع كونه من قومه ملكاً قاهراً، وخالفوه مع ذلك، وكان لقومه نار في بلادهم يتحاكمون إليها فتأكل الظالم، ختم بهم فقال :( وقوم تبع ( مع كونه مالكاً، وهو يدعوهم إلى الله، فلا يظنه أن التكذيب مخصوص بمن كان قوياً لمن كان مستضعفاً، بل هو واقع بمن شئنا من قوي وضعيف، لا يخرج شيء عن مرادنا.
ولما لم يكن هنا ما يقتضي التأكيد مما مر بيانه في ص قال معرياً منه :( كل ) أي من هذه الفرق ) كذب الرسل ) أي كلهم بتكذيب رسولهم، فإن الكل متساوون فيما يوجب الإيمان من إظهار العجز والدعاء إلى الله ) فحقَّ ( فتسبب عن تكذيبهم لهم أنه ثبت عليهم ووجب ) وعيد ) أي أي الذي كانوا يكذبون به عند إنذارهم لهم إياه، فعجلنا لهم منه في الدنيا ما حكمنا به عليهم في الأزل فأهلكناهم إهلاكاً عاماً كإهلاك نفس واحدة على أنحاء مختلفة كما هو مشهور عند من له بأمثاله عناية وأتبعناه ما هو في البرزخ وأخرنا ما هو في القيامة إلى البعث، بإهلاكنا لهم على تنائي ديارهم وتباعد أعصارهم وكثرة أعدادهم أن لنا الإحاطة البالغة فتسلَّ بإخوانك المرسلين وتأسَّ بهم، ولتحذر قومك ما حل بمن كذبهم إن أصروا.
ولما ذكر سبحانه التسلية بتذكيب هذه الأحزاب بعد ذكر تكذيب قريش وإقامة الأدلة القاطعة على ما كذبوا به وبطلان تكذيبهم، وختم بحقوق الوعيد الذي شوهدت أوائله بإهلاكهم، فثبت صدق الرسل وثبتت القدرة على كل ما يريد سبحانه بهذا الخلق من الإيجاد والإعدام أنكر عليهم التكذيب ووبخهم عليه تقريراً لحقوق الوعيد، فقال مسبباً عن تكذيبهم بعد ما ذكر أنه خلق جميع الوجود :( أفعيينا بالخلق ) أي حصل لنا على ما لنا من العظمة الإعياء، وهو العجز بسبب الخلق في شيء من إيجاده وإعدامه ) الأول ) أي من السماوات والأرض وما بينهما حين ابتدأناه اختراعاً من العدم، ومن خلق الإنسان وسائر الحيوان مجدداً، ثم في كل أوان من الأطوار المشاهدة على هذه التدريجات المعتادة بعد أن خلقنا أصله على ذلك الوجه مما ليس له أصل في الحياة، وفي إعدامه بعد خلقه جملة كهذه الأمم أو تدريجاً كغيرهم ليظنوا بسبب العجز بالخلق الأول الذي هو أصعب في مجاري العادات من الإعادة أن نعجز عن الإعادة ثانياً، يقال : عيي بالأمر - إذا لم يهتد لأمره أو لوجه مراده أو عجز عنه، ولم يطق إحاكمه.
ولما كان التقدير قطعاً بما دلت عليه همزة الإنكار : لم نعي بذلك بل أوجدناه على غاية الإحكام للظرف والمظروف وهم يعلمون ذلك ولا ينكرونه ويقرون بتمام القدرة عليه، وفي طيه الاعتراف بالبعث وهم لا يشعرون أضرب عنه لقولهم الذي


الصفحة التالية
Icon