صفحة رقم ٢٦٧
بإسماع البعيد من محل المنادي كما يسمع القريب سواء، وكان القرب ملزوماً للسماع، قال مصوراً لذلك :( من مكان ( هو صخرة بيت المقدس ) قريب ) أي يسمع الصوت من بعد كما يسمعه من قرب، يكونون في البقاع سواء لا تفاوت بينهم أصلاً.
ولما عظم هذا المقام بما كساه من ثوب الإجمال أبدل منه إيضاحاً وزيادة في التعظيم قوله :( يوم يسمعون ) أي الذين ينادون ) الصيحة ) أي صيحة أصمتهم المستنفر لهم إلى بدر في الدنيا، فكانت صيحة قاضية بصممهم عن جميع تصرفاتهم، وصيحة النفخة الثانية في الصورة في الآخرة فهما نفختا حشر إلى القضاء بين المحق والمبطل ) بالحق ) أي لأمر الثابت الذي كانوا يسمونه سحراً، ويعدونه خيالاً، فيعلمون حينئذ أن الواقع قد يطابقه، فكان حقاً فإنه قد طابقه الواقع، فكان الإخبار به صدقاً.
ولما عظمه سبحانه باجمال بعد إجمال، إشارة إلى أن ما فيه من شديد الأهوال، يطول شرحه بالمقال، زاده تعظيماً بما أنتجه الكلام فقال :( يوم الخروج ) أي الذي لا خروج أعظم منه وهو خروجهم من بيوتهم في الدنيا إلى مصارعهم ببدر، ومن قبورهم من الأرض التي خلقوا منها إلى مقامعهم في النار.
ولما ينيت دعائم القدرة ودقت بشائر النصرة وختم بما يصدق على البعث الذي هو الإحياء الأعظم دالاً بما هو مشاهد من أفعاله، وأكده لإنكارهم البعث، فقال :( إنا ) أي بما لنا من العظمة ) نحيي ونميت ( تجدد ذلك شيئاً بعد شيء سنة مستقرة وعادة مستمرة كما تشاهدونه، فقد كان منا بالإحياء الأول البدء ) وإلينا ( خاصاً بالإماتة ثم الإحياء ) المصير ) أي الصيرورة ومكانها وزمانها بأن نحيي جميع من أمتناه يوم البعث ونحشرهم إلى محل الفصل، فنحكم بينهم وليس المعاد بأصعب من المبدأ، فمن أقر به وأنكر البعث كان معانداً أو مجنوناً قطعاً.
ق :( ٤٤ - ٤٥ ) يوم تشقق الأرض.....
) يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ( ( )
ولما تحقق بذلك أمر البعث غاية التحقق، صور خروجهم يه فقال معلقاً بما ختم به الابتداء مما قبله زيادة في تفخيمه وتعظيمه وتبجيله :( يوم تشقق الأرض ( وعبر بفعل المطاوعة لاقتضاء الحال له، وحذف تاء المطاوعة إشارة إلى سهولة الفعل وسرعته ) عنهم ) أي مجاوزة لهم بعد أن كانوا في بطنها فيخرجون منها أحياء كما كانوا على ظهرها أحياء، حال كونهم ) سراعاً ( إلى إجابة مناديها، وأشا إلى عظمه بقوله :


الصفحة التالية
Icon