صفحة رقم ٢٧١
وتصريف الساريات :( فالمقسمات ) أي من السحب بما تصرفها فيه الملائكة عليهم السلام، وكذا السفن بما يصرفها الله به من الرياح اللينة أو العاصبة من سلامة وعطب وسرعة وإبطاء، وكذا غيرهما من كل أمر تصرفه الملائكة بين العباد وتقسمه.
ولما كان المحمول مختلفاً كما تقدم، قال جامعاً لذلك :( أمراً ) أي من الرحمة أو العذاب، قال الرازي في اللوامع : وهذه أقسام يقسم الله بها ولا يقسم بها الخلق لأن قسم الخلق استشهاد على صحة قولهم بمن يعلم السر كالعلانية وهو الله تعالى، وقسم الخالق إرادة تأكيد الخبر في نفوسهم فيقسم ببعض بدائع خلقه على وده يوجب الاعتبار ويدل على توحيده، فالرياح بهبوبها وسكونها لتأليف السحاب وتذرية الطعام واختلاف الهواء وعصوفها مرة ولينها أخرى والسحاب بنحو وقوفها مثقلات بالماء من غير عماد وصرفها في وقت الغنى عنها بما لو دامت لأهلكت، ولو انقطعت بتسخير البحر لجريانها وتقدير الريح لها بما لو زاد لغرق، ولو ركد لأهلك، والملائكة تقسم الأمور بأمر ربها، كل ذلك دليل على وجود الصانع الحكيم، والفاطر العليم، القادر الماجد الكريم.
ولما كانوا يكذبون بالوعيد، أكد الجواب بعد التأكيد بنفس القسم فقال :( إنما ) أي الذي ) توعدون ) أي من الوعد للطائع والوعيد للعاصي، وإن لم تروا أسبابه، ولما كان ما توعدا به لتحقق وقوعه وقربه كأنه موجود يخاطبهم عن نفسه، عبر عن المصدر باسم الفاعل فقال :( لصادق ) أي مطابق الإخبار به للواقع، وسترون مطابقته له إذا وقع، وتعلمون أن ذلك الواقع حق ثابت لا خيال لمطابقته للخبر، قال ابن برجان : واعلم أن الله عز وجل ما أقسم بقسم إلا مطابقاً معناه لمعان في المقسم من أجله بسراج منير يهدي به الله تعالى من يشاء، وإنما يعمي عن رؤية ذلك ظواهر إشخاص للمحسوسات، ويصم عن إسماع ندائها ضوضاء المشاهدات، ولولا ذلك لنودوا بها من مكان قريب، وقال البيضاوي : كأنه استدل باقتداره على هذه الأشياء العجيبة المخالفة لمقتضى الطبيعة على اقتداره على البعث.
ولما كان أجل وعيدهم وما يتعلق بالجزاء يوم القيامة وكانوا ينكرونه، قال :( وإن الدين ) أي المجازاة لكل أحد بما كسب يوم البعث، والشرع الذي أرسلت به هذا النبي الكريم ) لواقع ( لا بد منه وإن أنكرتم ذلك، فيظهر دنيه على الدين كله كما وعد بذلكن ثم نقيم الناس كلهم للحساب.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما ذكر سبحانه المواعيد الأخروية في


الصفحة التالية
Icon