صفحة رقم ٢٨٠
من سماع هذا الكلام ) امرأته ( ولما كانت قد امتلأت عجباً، عبر بالظرف فقال :( في صرة ) أي صيحة وكرب من الصرير قد أحاط بها، فذهب وهمهما في ذلك كل مذهب ) فصكت ( أ يضربت بسبب تعجبها بأطراف أناملها فعل المتعجب ) وجهها ( لتلاشي أسباب الولد في علمها بسبب العادة مع معرفتها بأن العبرة في الأسباب وإن كانت سليمة بالمسبب لا بها، قال البغوي : وأصل الصك ضرب الشيء بالشيء العريض ) وقالت ( تريد أن تستبين الأمر هل الولد منها أم من غيرها :( عجوز ( ومع العجز ) عقيم ( فهي في حال شبابها لم تكن تقبل الحبل، قال القشيري رحمه الله تعالى : قيل : إنها كانت يومئذ ابنة ثمان وتسعين سنة.
ولما كان في هذا أشد تشوف إلى الجواب، استأنف تعالى الجوا بقوله :( قالوا كذلك ) أي مثل ما قلناه من هذه البشرى العظيمة ) قال ربك ) أي المحسن إليك بتأهيلك لذلك على ما ذكرت من حالك وبتأهيلك من قبل الاتصال بخليله ( ﷺ ).
ولما كان محط تعجبها أن ذلك كان بأيام شبابها أولى، عللوا إخبارهم تأكيداً له مؤكدين لأن قولها وفعلها فعل المنكر وإن كانت ما أرادت به إلا الاستثبات :( إنه هو ) أي وحده ) العليم ( الذي يضع الأشياء في أحق مواضعها فرتب عظمة هذا المولود على كل من عقمك وعجزك ؛ ثم عللوا ذلك بقولهم :( الحكيم ) أي المحيط العلم فهو كذلك لا يعجزه شيء لما تقدم من البرهان في سورة طه أن إحاطة العلم مستلزم شمول القدرة.
ولما كان الخليل عليه السلام أعلم أهل زمانه بالأمور الإلهية، علم أن اجتماع الملائكة على تلك الهيئة التي يراهم فيها ليس لهذه البشارة فقط، فلذلك استأنف تعالى الجواب لمن كان كأنه قال : ما كان من حاله وحالهم بعد هذا ؟ بقوله :( قال ) أي قال مسبباً عما رأى من حالهم :( فما خطبكم ) أي خبركم العظيم ) أيها المرسلون ) أي لأمر عظيم ) قالوا ( قاطعين بالتأكيد بأن مضمون خبرهم حتم لا بد منه، ولا مدخل للشفاعة فيه :( إنا أرسلنا ) أي بإرسال من تعلم ) إلى قوم مجرمين ) أي هم في غاية القوة على ما يحاولونه وقد صرفوا ما أنعم الله به عليهم من القوة في قطع ما يحق وصله ووصل ما يحق قطعه ) لنرسل عليهم ) أي من السماء التي فييها ما وعد العباد به وتوعدوا ) حجارة من طين ) أي مهيأ للاحتراق والإحراق ) مسومة ) أي معلمة بعلامة العذاب المخصوص.
ولما كان قد رأوا اهتمامه بالعلم بخبرهم خشية من أن يكونوا أرسلوا لعذاب أحد يعز عليه أمره، أمنوا خوفه بوصف الإحسان فقالوا :( عند ربك ) أي المحسن إليك بهذه البشارة وغيرها ) للسرفين ) أي المتجاوزين للحدود غير قانعين