صفحة رقم ٢٨٣
وبرداً وناراً وصواعق ) وجنوده ) أي كلهم ) فنبذناهم ) أي طرحناهم طرح مستهين بهم مستخف لهم كما تطرح الحصيات ) في اليم ) أي البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطانا الريح فغرقته لما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ونشفت أرضه، فأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا ) وهو ) أي والحال أن فرعون ) مليم ) أي آتٍ بما هو بالغ في استحقاقه الملامة، ويجوز أن يكون حالاً من ) أليم ( بمعنى أنه فعل بهم فعل اللائم من ألامه - إذا بالغ في عذله، وصار ذا لائمة أي لهم، فعل المصلحين في إنجاء الأولياء وإغراق الأعداء بالالتئام والانطباق عليهم، قال في القاموس : اللوم العدل، لام لوماً وألامه ولومه للمبالغة، وألام : أتى ما يلام عليه أو صار ذا لائمة، ولأمه بالهمز كمنعه، نسبه إلى اللوم، والسهم : أصلحه كألامه ولأمه فالتأم، ولا يضر يونس عليه السلام أن يعبر في حقه بنحو هذه العبارة، فإن أسباب اللوم تختلف كما أن أسباب المعاصي تختلف في قوله
٧٧ ( ) وعصوا رسله ( ) ٧
[ هود : ٥٩ ]
٧٧ ( ) وعصى آدم ربه ( ) ٧
[ طه : ١٢١ ] وبحسب ذلك يكون اختلاف نفس اللوام ونفس المعاصي.
ولما أتم قصة من جمع له السحاب والماء والنار والريح، أتبها قصة من أتاهم بريح ذارية لم يوجد قط مثلها، وكان أصلها موجوداً بين ظهرانيهم وهم لا يشعرون، بل قاربت الوصول إليهم وهم يظنونها مما ينفعهم :( وفي عاد ) أي آية عظيمة ) إذ ) أي حين ) أرسلنا ( بعظمتنا ) عليهم ( إرسال علو وأخذ ) الريح ( فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تذروا الرمل وترمي بالحجارة على كيفية لا تطاق ) العقيم ) أي التي لا ثمرة لها فلا تلقح شجراً ولا تنشىء سحاباً ولا تحمل مطراً ولا رحمة فيها ولا بركة فلذلك أهلكهم هلاك الاستئصال، ثم بين عقمها وإعقامها بقوله :( ما تذر ) أي تترك على حال ردية، وأعرق في النفي فقال :( من شيء ( ولما كان إهلاكها إنما هو بالفاعل المختار، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال :( أتت عليه ) أي إتيان إرادة مرسلها، استعلاها على ظاهره وباطنه، وأما من أريدت رحمته كهود عليه السلام ومن معه رضي الله عنهم فكان لهم روحاً وراحة لا عليهم ) إلا جعلته كالرميم ) أي الشيء البالي الذي ذهلته الأيام والليالي، فصيره البلى إلى حالة الرماد، وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض ودثر - قاله ابن جريج، وخرج بالتعبير ب ( تذر ) هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، فإنهم تركتهم على حالة حسنة لم يمسهم منها سوء كما أشير إلى مثل ذلك بأداة الاستعلاء.


الصفحة التالية
Icon