صفحة رقم ٢٩٤
) إن عذاب ( ولما كان سبحانه عظيم الإكرام له ( ﷺ )، أضاف العذاب إلى صفة الإحسان والتربية الخاصة به، وأضاف الصفة إلى ضميره إيذاناً بأنه يريه في أمته ما يسره، وإن مماثلة ( ذنوبهم كذنوب أصحابهم ) الماضين إنما هي في مجرد الإذلال، لا في أنه يستأصلهم كما استأصل أولئك فقال :( ربك ( أ يالذي تولى تربيتك أي عذاب أراده نزول ما هو ثقيل من مكان عال كما أنه لو أراد لقلب الأرض التي ثبتها وأوقع السقف الذي رفع، وأطلق البحر الذي سجر، كما علم من إطلاقه البحر فلقه على آل فرعون حتى إغرقهم به ) ما له من دافع ( لأنه لا شريك لموقعه لما دلت عليه هذه الأقسام من كمال قدرته وجلال حكمته وضبط أعمال العباد للمجازاة سواء قلنا : إن الكتاب هو الذي يكتبه الحفظة أ الذي يضبط الدين، فملا أوقع الجزواء بهم في الصحيفة، ونقض معاقدتهم، وفض جمعهم، أخرج معاشرك من ذلك الضيق فكذلك يؤيدك حتى توقع بهم وتنق جمعهم وتكسر شوكتهم ونقتل سرواتهم ويظهر دينك على دينهم، ويصير من بقي منهم من حزبك وأنصار دينك، قال البغوي : قال جبير بن مطعم رضي الله عنه : قدمت المدينة لأكلم رسول الله ( ﷺ ) في أسارى بدر، فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ ) والطور - إلى قوله : إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ( فكأنما صدع قلبي حين سمعته، ولم أكن أسلمت يومئذ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما توعد تعالى كفار قريش ومن كان على طريقتهم من سائر من كذب رسول الله ( ﷺ ) أنهم سيصيبهم ما أصاب غيرهم من مكذبي الأمم، المنبه على ذكرهم في السورة قبل، ثم أشار سبحانه إلى عظيم ما ينالهم من الخزي وأليم العذاب بقوله :
٧٧ ( ) فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون ( ) ٧
[ الذاريات : ٦٠ ] أقسم سبحانه على صحة ذلك ووقوعه - والعياذ به سبحانه من سخطه وأليم عذابه - فقال تعالى :( والطور - إلى قوله : إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع ( ثم أومأ سبحانه إلى مستحقيه ومستوجبيه فقال ) فويل يومئذ للمكذبين ( ثم ذكر ما يعنفون به ويوبخون على ما سلف منهم من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى السحر فقال تعالى
٧٧ ( ) ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ( ) ٧
[ سبأ : ٤٢ ] ) أفسحر هذا أم أنتم لا