صفحة رقم ٣٠١
الجار :( إنا كنا قبل ) أي في دار العمل ) في أهلنا ( على ما لهم من العدد والعدد والنعمة والسعة، ولنا بهم من جوالب اللذة والدواعي إلى اللعب ) مشفقين ) أي عريقين في الخوف من الله لا يلهينا عنه شيء مع لزومنا لما نقدر عليه من طاعته لعلمنا بأنا لا نقدره لما له من العظمة والجلال والكبرياء والكمال حق قدره، وأنه لو واخذنا بأصغر ذنوبنا أهلكنا، قال الرازي : والإشفاق : دوام الحذر مقروناً بالترحم، وهو أن يشفق على النفس قبل أن تجمح إلى العناد، وله أقسام : إشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع، وإشفاق على الخليقة لمعرفة مقاديرها، وإشفاق على الوقت أن شوبه تفرق وعلى القلب أن يمازجه عارض وعلى النفس أن يداخلها - انتهى.
ولما حكى عنهم سبحانه أنهم أثبتوا لأنفسهم عملاً تدريباً لمن أريدت سعادته، فكان بحيث يظن أنهم رأوه هو السبب لما وصلوا إليه، قالوا نافين لهذا الظن، مبينين أن ما هم فيه إنما هو ابتداء تفضل من الله تعالى لأن إشفاقهم منه سبحانه لكيلا يعتمد الإنسان على شيء من عمله فلا يزال معظماً لربه خائفاً منه :( فمنّ الله ( الذي له جميع الكمال بسب إشفاقنا منه ) علينا ( بما يناسب كماله فأمّننا ) ووقانا ) أي وجنبنا بما سترنا به ) عذاب السموم ) أي الحر النافذ في المسام نفوذ السم.
الطور :( ٢٨ - ٣٤ ) إنا كنا من.....
) إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ( ( )
ولما ذكروا إشفاقهم، بينوه مؤكدين أيضاً لمثل ذلك بقولهم :( إنا كنا ) أي بما طبعنا عليه وهيئنا له.
ولما كان الدعاء بمعنى فعل العبادة، وكانت تقع في بعض الزمان، أثبت الجار إشارة إلى ذلك مع إسقاطه قبل هذا في الدعاء بالقوة إشارة إلى أن التحلي بالفضائل يرضى منه باليسر، والتخلي عن الرذائيل لا بد فيه من البراءة عن كل قليل وكثير فقيل :( من قبل ) أي في الدنيا ) ندعوه ) أي نسأله ونعبده بالفعل، وأما خوفنا بالقوة فقد كان في كل حركة وسكنة، ثم عللوا دعاءهم إياه مؤكدين لأن إنعامه عليهم مع تقصيرهم مما لا يكاد يفعله غيره، فهو مما يعجب منه غاية العجب فقالوا :( إنه هو ) أي وحده ) البر ( الواسع الجود الذي عطاؤه حكمة ومنعه رحمة، لأنه لا ينقصه إعطاء ولا يزيده منع، فهو يبر عبده المؤمن بما يوافق نفسه فربما بره بالنعمة وربما بره بالبؤس، فهو يختار له من الأحوال ما هو خير له ليوسع له في العقبى، فعلى المؤمن أن