صفحة رقم ٣٠٧
الله بزعمهم مع علمهم بأنك صادق فيه، فهم بسبب إرادتهم ذلك هكذا كان الأصل، ولكنه قال تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف :( فالذين كفروا ) أي ستروا الأجلة تارة عناداً وتارة بالإعراض عن تأملها ) هم ) أي خاصة ) المكيدون ) أي يختص وبال الكيد بلزومه لهم وقطعه لدابرهم لأن من كان الإله عليه كان خاسراً، وأقرب مآلهم من الكيد الظاهر في بدر عن انتهاء سنين عدتها عدة ما هنا من ( أم ) وهي خمسة عشرة مرة لأن بدراً كانت في الثانية من الهجرة، وهي الخامسة عشرة من النبوة، فقد سبب الله فيها من الأسباب ما أوجب سعيهم إلى هلاكهم بأمور خارقة للعادة، فلو كانت لهم بصائر لكفتهم في الهداية، والرد عن الضلالة والغواية.
ولما كان التقدير : أكذلك الأمر عادله بقوله :( أم لهم إله ( يمنعهم من التصديق بكتابنا، أو يستندون إليه للأمان من عذابنا ) غير الله ( الذي أحاط بجميع صفات الكمال، فلا يمكن بوجه من الوجوه ولا على تقدير من التقدير أن يكون معه إله، ولذلك وصل به قوله :( سبحان الله ) أي الملك الأعظم الذي تعالى أن يداني جنابه شائبة نقص ) عما يشركون ( من الأصنام وغيرها، وأخر سبحانه هذا القسم وهو من الشركة لكن بالغير لأنه آت على تقدير التصديق للرسول صلى ولأنه دينهم الذي أوقفهم عن الهدى، فأوقعهم في الردى، ليحتم بنفسه والتنزيه عن الإقسام فيحصل به غاية القصد والمرام.
والحاصل أنه قسم به سبحانه حالهم ف يردهم القرآن إلى التكذيب وغيره، ولما كان التكذيب - وهو النسبة إلى الكذب وهو عدم المطابقة للواقع - إما في الإرسال، وإما في المعاني، وما وقع به الإرسال إما لنقص في الرسول وإما النقص في المرسل، والذي في رسول إما أن يكون لأمر خارج عنه أو لأمر داخل فيه، ولما كان الخارج قد يكون معه نقص دخل بذاته، ولما كان ذلك قد يكون فيه ما يمجح به ولو من وجه، وهو الكهانة بدأ بها، وأتبعه الداخل لذلك بادئاً بما قد يمدح به وهو الشعر.
ولما كان القول بجميع الكهانة والشعر والجنون في شخص واحد على غاية من ظهور التناقص لا يخفى، أتبعها الرمي بالتهكم على عقولهم.
ولما كان الكذب في الرمي بالتقول قد يخفى، أتبعه دليله بالعجز عن المعارضة.
ولما قسم ما رموا به الرسول، أتبعهم ما ألزمهم به في المرسل، ولما كان ذلك إما أن يكون بالتعطيل أو لا، وكان التعطيل أشد، بدأ به وهو الخلق من غير شيء، ولما كان النقص مع الإقرار بالوجود إما أن يكون بالشركة أولاً، وكان بالشركة إما أن يكون المكذب هو المشارك أولاً، وكانت الشركة المكذب أقعد في التكذيب بدأبها، ولما كانت شركة المكذب إما ان تكون في الخلق أو لا، وكان الأول إما أن يكون بخلق النفس أو الغير، وكانت الشركة بخلق النفس ألصق،