صفحة رقم ٣١٠
فيهم لأحد لا سيما لمن هم مثل في الضعف والقلة ) وإن ( وكان الأصل لهم، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال :( للذين ظلموا ) أي أوقعوا الأشياء في غير مواقعها كما يقولون في القرن، ويفعلونه من العصيان ويعتقدون من الشرك والبهتان ) عذاباً دون ذلك ) أي غير عذاب ذلك اليوم الصعب المرير، أو أدنى رتبة منه، إن كان المراد بالعصفق ما يكون بعد البعث فبعذاب البزرخ في القبور، وإن كان المراد به الموت فيما يلقونه في الدنيا من عذابي بواسطتكم مثل تحيزكم إلى الأنصار في دار الهجرة ومعدن النصرة وصيرورتكم في القوة بحيث تناصبونهم الحرب، وتعاطونهم الطعن والضرب، فتكونوا بعد أن كنتم طوع أيديهم قذى في أعينهم وشجاً في حلوقهم ودحضاً لأقدامهم ونقضاً لإبرامهم، ومثل القحط الذي حصل لهم والسرايا التي لقيتموها فيها مثل سرية حمزة أسد الله وأسد رسوله، وعبيدة بن الحارث وعبيد الله بن جحش التي كانت مقدمة لغزوة بدر.
ولما كان بعضهم يبصر هذا مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن مغيرة والنضر بن الحارث ويقولون : والله ما هو شاعر ولا كاهن ولا ساحر ولا مجنون، وليكونن لقوله الذي يقول نبأ، قال :( ولكن أكثرهم ( بسصبب ما يرون من كثرتهم وحسن حالهم في الدنيا وقوتهم ) لا يعلمون ) أي يتجدد لهم علم بتقويتكم عليهم لأنهم لا علم لهم أصلاً حتى يروا ذلك معاينة.
ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو، قال عاطفاً على ) فذرهم ( أو على ما تقديره : فكن أنت العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية :( واصبر ) أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الأعراض عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم، وأيضاً فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين، وذلك هو مقام الجمع، والجمع لا يصلح إلا بالفرق، فلذلك قدم الأمر بالصبر، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر، فإن سياقها للإنذار الناشىء عنه غاية الإذى فاشتدت العناية هناك بتقديم ذكر الإلهة نظراً لإى الفناء عن الفانين وإن كان مباشراً لدعائهم، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله :( لحكم ربك ) أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك لولو لم يرده لم يكن شيء منه، فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات