صفحة رقم ٣١٤
كالكهان الذين يغلب كذبهم صدقهم والشعراء وغيرهم، وما تقول هذا القرآن من عند نفسه.
ولما أكد سبحانه في نفسه ذلك عند التأكيد تنزيهاً له عما نسب إليه، فكان ذلك مظنة السؤال عن أصل ما تقوله، أجاب بالحصر والآية أًرح وأدفع لإنكارهم البالغ فقا :( إن ) أي ما ) هو ) أي الذي يتكلم به من القرآن وبيانه، وكل أقواله وأفعاله وأحواله بيانه ) إلا وحي ) أي من الله تعالى، وأكده بقوله :( يوحى ) أي يجدد إليه إيحاؤه منا وقتاً بعد وقت، ويجوز أن يجتهد ( ﷺ )، فإذا استقر اجتهاده على شيء أوحي مع أن من يرد ما يجتهد فيه إلى ما أوحي إليه بريء من الهوي.
وقال أبو جعفر ابن الزبير في برهانه : لما قطع سبحانه تعليقهم بقوله : ساحر وشاعر ومجنون - إلى ما هو به مما علموا أنه لا يقوم على ساق، ولكن شأن المنقطع المبهوت أن يستريح إلى ما أمكنه وإن لم يغن عنه، أعقب الله سبحانه بقسمة على تنزيه نبيه وصفيه من خلقه عما تقوله توهمه الضعفاء فقال تعالى :( والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى ( ثم أتبع سبحانه هذا القسم ببسط الحال في تقريبه عليه السلام وإدنائه وتلقيه لما يتلقاه من ربه وعظيم منزلته لديه، وفي إبداء ذلك يحركهم عزّ وجلّ ويذكرهم ويوبخهم على سوء نكاياتهم بلطف واستدعاء كريم منعم فقال تعالى :( أفرأيتم اللات والعزى ( والتحمت الآي على هذه الأغراض إلى الإعلام بانفراده سبحانه بالإيجاد والقهر والإعزاز والانتقام، لا يشراكه في شيء من ذلك غيره فقال :( وأن إلى ربك المنتهى وأنه هو أضحك وأبكى (.
ولما بين ذلك فقال :( فبأي آلاء ربك تتمارى ) أي في أيّ نعمة تشكون أم بأي آية تكذبون ؟ ثم قال :( هذا نذير من النذر الأولى ( وإذا ان عليه الصلاة والسلام...
فشأن مكذبيه شأن مكذبي غيره - انتهى.
ولما كان الوحي ظاهراً فيما بواسطة الملك، تشوف السامع إلى بيان ذلك فقال مبيناً له بأوصافه لأن ذلك أضخم في حقه وأعلى لمقداره :( علمه ) أي صاحبكم الوحي الذي أتاكم به ) شديد القوى ( أفلا تعجبون من هذه البحار الزاخرة التي فأقكم بها وهو أمي فإن معلمه بهذه الصفة التي هو بها بحيث ينفذ كل ما أمره الله به ) ذو مرة ) أي جزم في قوة وقدرة عظيمة على الذهاب فيما امر به والطاقة لحمله في غير آية النشاط والحدة كأنه ذو مزاج غلبت عليه الحدة فهو صعب المراس ماض في مراوته على طريقة واحدة على غاية من الشدة لا توصف لا التفات له بوجه إلى غير ما أمر به، فهو على غاية الخلوص فهو مجتمع القوى مستحكم الشأن شديد الشكيمة، لا بيان في شيء بزواله ومن جملة ما أعطى من القوة والقدرة على التشكل، وإلى ذلك كله أشار بما


الصفحة التالية
Icon