صفحة رقم ٣٢٠
وزاد في تعظيمها بقوله :( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) أي يغطيها ويركبها وسمره ؟ من فراش الذهب والرفرف الأخضر والملائكة والنبق وغير ذلك فإن الغشو النبق ) ما يغشى ( لا تحتملون وصفه وهو بحيث يكاد أن لا يحصى، وإليه الإشارة بقوله ( ﷺ ) في الحديث :( وغشيها، ألا وإني لا أدري ما هي فليس أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها ) أو كما قال ( ﷺ )، وأكد الرؤية وقررها مستأنفاً بقوله :( ما زاغ ) أي ما مال أدنى ميل ) البصر ) أي الذي لا بصر لمخلوق أكمل منه، فما قصر عن النظر فيما أذن له فيه ولا زاد ) وما طغى ) أي تجاوز الحد إلى ما لم يؤذن له فيه مع أن ذلك العالم غريب عن بني آدم، وفيه من العجائب ما يحير الناظر، بل كانت له العفة الصادقة المتوسطة بين الشره والزهادة على أتم قوانين العدل، فأثبت ما رآه على حقيقته، وكما قال السهروردي في أول الباب الثاني والثلاثين من عوارفه : وأخبر تعالى بحسن أدبه في الحضرة بهذه الآية، وهذه غامضة من غوامض الأدب، اختص بها رسول الله ( ﷺ ).
ولما كانوا قد أنكروا الإسراء إنكاراً لم يقع لهم في غيره مثله، زاد في تأكيده على وجه يعم غيره فقال :( لقد رأى ) أي أبصر بسبب ما أهلناه له من الرسالة إبصاراً سارياً إلى البواطن غير مقتصر على الظواهر ) من آيات ربه ) أي المحسن إليه بما لم يصل إليه أحد قبله ولا يصل إليه أحد بعده، ومن ادعى ذلك فهو كافر ) الكبرى ( من ذلك ما رآه في السموات من الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام إشارة بكل شيء إلى أمر دقيق جليل وحالة شريفة، وقال الإمام أبو القاسم السهيلي في الروض الأنف : والذي أقول في هذا أن مأخذ فهمه من علم التعبير، فإنه من علم النبوة، وأهل التعبير يقولون : من رأى نبياً بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي في شده أو رخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الأنبياء في القرآن والحديث، وحديث الإسراء كان بمكة، ومكة حرم الله وأمنه، وقطانها جيران الله لأن فيها بيته، فأول ما رأى ( ﷺ ) من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام آدم عليه الصلاة والسلام الذي كان في أمن الله وجواره، فأخرجه إبليس عدوه منها، وهذه القصة تشبهها الحالة الأولى من أحوال النبي ( ﷺ ) حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجوار بيته، فكر به ذلك وغمه فأشبهت قصته في هذا قصة آدم عليه الصلاة والسلام مع أن آدم تعرض عليه أرواح ذريته البر والفاجر منهم، فكان في السماء الدنيا بحيث يرى الفريقين لأن أرواح أهل الشقاء لا تلج في السماء ولا تفتح لهم أبوابها، كما قال الله تعالى، ثم رأى في الثانية عيسى ويحيى عليهما الصلاة والسلام