صفحة رقم ٣٢٥
ولما كان الاستفهام إنكارياً، كان المعنى : ليس له ما تمنى، وكان ذلك دليلاً قطعياً على أنه مربوب مقهور ممن له الأمر كله، فسبب عنه قوله :( فللّه ) أي الملك الأعظم وحده.
ولما كانت الأخرى دار اللذات وبلوغ جميع الأماني وحرمانها، وكانوا يدعزون فيها على تقدير كونها جميع ما يتمنون من شفاعة آلهتهم وإجابتها إلى إسعادهم ونحو ذلك، قدم قوله :( الآخرة ( فهو لا يعطي الأماني فيها إلا لمن تبع هاده وخالف هواه ) والأولى ( فهو لا يعطي جميع الأماني فيها لأحد أصلاً كما هو مشاهد، فمن ترك هواه فيها نال أمانيه في الآخرة، فلهذا قدمها لا للفاصلة فإنه لو قيل ( الأخرى ) لصلحت للفاصلة.
ولما كان التقدير : فكم من شخص ترونه في الأرض مع أنه في غاية المكنة فيما يظهر لكم لا يصل إلى ربع ما يتمناه، عطف عليه قوله، مظهراً لضخامة ملكه وأنه لا يبالي بأحد، دالاً على الكثرة :( وكم من ملك ) أي مقرب، ودل على زيادة قربه بشرف مسكنه فقال :( في السموات ) أي وهم في الكرامة والزلفى ) لا تغني ) أي لا تجزي وتسد وتكفي، ولما كان رد الجمع لحال اجتماعهم أدل على العظمة، عبر بما يحتمل ذلك فقال :( شفاعتهم ) أي عن أحد من الناس ) شيئاً ( فقصر الأمر ورده بحذافيره إليه بقوله :( إلا ( ودل باثبات الجار على أنه مع ما يحده سبحانه لا مطلقاً فقال :( من بعد أن يأذن ) أي يمكن ويريد ) الله ) أي الذي لا أمر لأحد أصلاً معه، وعبر بأن والفعل دلالة على أنه لا عموم بعد الإذن بجميع الأوقات، وإنما ذلك يجدد بعد تجدد الإذن على حينه وقبل الأمر الباب ؟ لعموم العظمة بقوله :( لمن يشاء ) أي بتجدد تعلق مشيئته به لأن يكون مشفوعاً أو شافعاً.
ولما كان الملك قد يأذن في الشفاعة وهو كاره، قال معلماً أنه ليس كأولئك :( ويرضى ( فحينئذ تغني شفاعتهم إذا كانوا من المأذون لهم - كل هذا قطعاً لأطماعهم وعن قولهم بمجرد الهوى أي آلهتهم تشفع لهم.
ولما أخبر باتباعهم للهوى ونفى أن يكون لهم من ذلك ما يتمنونه دل على اتباعهم للهوى بقوله موضع ) أنهم ( :( إن الذين ( وأكد تنبيهاً على أنه قول بالغ في العجب الغاية فلا يكاد يصدق أن عاقلاً بالآخرة يقوله بما جرى لهم على قولهم ذلك وأمثاله بقوله :( لا يؤمنون ) أي لا يصدقون ولا هم يقرون ) بالآخرة ( ولذلك أكد قوله :( ليسمون الملائكة ) أي كل واحد وهم رسل الله ) تسمية الأنثى ( بأن قالوا : هي بنات الله، كما يقال في جنس الأنثى : بنات ) وما ) أي والحال أنهم ما ) لهم به ) أي بما سموهم به، وأعرق في النفي بقوله :( من علم ( ولما نفى علمهم شوف السامع إلى الحامل لهم على ذلك فقال :( إن ) أي ما ) يتبعون ) أي بغاية ما يكون في ذلك وغيره ) إلا الظن (.