صفحة رقم ٣٢٩
مدة من العمر بخلاف ذلك فإنه يعلم ما جبلكم عليه من ذلك وأنتم لا تعلمون إلا ما يكون في أنفسكم حال كونه أنكم لا تحيطون به إذ ذاك علماً.
ولما كان من عادة من سلم من الذنوب أن يفتخر على من قارفها لما بني الإنسان عليه من محبة الفخر لما جبل عليه من النقصان، وكان حاله قد يتبدل فيسبق عليه الكتاب فيشقى، سبب عن ذلك قوله :( فلا تزكوا ) أي تمدحدوا بالزكاة وهو البركة والطهارة عن الدناءة ) أنفسكم ) أي حقيقة بان يثني على نفسه فإن تزكيته لنفسه من علامات كونه محجوباً عن الله - قال القشيري - أو مجازاً بأن يثني على غيره من إخوانه فإنه كثيراً ما يثني بشيء فيظهر خلافه، وربما حصل له الأذى بسببه ( وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع ) الحديث، ولذلك علل بقوله :( هو أعلم ) أي منكم ومن جميع الخلق ) بمن اتقى ) أي جاهد نفسه حتى حصل فيه تقوى، فهو يوصله فوق ما يؤمل من الثواب في الدارين، فكيف بمن صار له التقوى وصفاً ثابتاً.
النجم :( ٣٣ - ٣٨ ) أفرأيت الذي تولى
) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ( ( )
ولما أره سبحانه بالإعراض عمن تولى عن التشرف بذكر الملك الأعظم واللجاء إليه، ونهى عن التزكية للجهل بالعواقب، وكان قد ارتد ناس عن الإسلام، كان سبب ارتدادهم إخباره ( ﷺ ) عن بعض ما رأى من الآيات الكبرى ليلة الإسراء، وكان لما نزلت عليه ( ﷺ ) سجدة النجم وسجد فيها ( ﷺ ) سجد معه - كما في البخاري - المسلمون والمشركون والجن والإنس، ولم يكن في ظن أحد من الخلق انقلابهم على أدبارهم بعد حتى ولا في ظن المرتدين، سبب عن ذلك قوله :( أفرأيت ) أي أخبروني ) الذي تلّى ) أي عن ذكرنا عبد أن كان حريصاً عليه، يظن هو وأهله أنه عريق في أهله بإيمانه وأعماله في أيام إيمانه ) وأعطى قليلاً وأكدى ) أي قطع ذلك العطاء على مكده وقلته وأبطله وأفسده فصار كالحافر الذي وصل في حفره إلى كدية، يقال لحافر البئر : أجبل - إذا وصل إلى جبل، وأكدى - إذا وصل إلى كدية أي صفاة عظيمة شديدة لا تعمل فيها المعاول، فصار لا يقدر معها على شيء من علمه، ولا يستطيع النفوذ فيها


الصفحة التالية
Icon