صفحة رقم ٣٣٧
المفسدين زولما ضاق الخناق من ذكرها على هذا الوجه، تشوف السامع إلى دفعها، فاستأنف قوله :( ليس لها ( واستدرك بقوله :( من دون الله ) أي من أدنى رتبة من رتبة الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) كاشفة ) أي كاشف يوجدها ويقيمها ويجلي علمها، أو يدفع كربها وهمها وإن بالغ في الكشف وبذلك الجهد فيه، فالهاء للمبالغة، ويجوز أن تكون مصدراً كالجاثية والكاذبة والباقية فيكون الهاء للتأنيث.
ولما أفهم هذا أن الله يكشفها أي يكشف كربها ممن يريد من عباده ويثقله على من يشاء، ويكشف علمها بإقامتها، ولا حيلة لغيره في شيء من ذلك بوجه، سبب عنه وعما تقدمه من الإنذار قوله منكراً موبخاً، ) أفمن هذا الحديث ) أي القول العظيم الذي يأتيكم على سبيل الاتجدد بحسب الوقائع والحاجات ) تعجبون ( إنكاراً وهو في غاية ما يكون من ترقيق القلوب.
ولما كان المعجب قد يمسك نفسه عن الضحك، بين أنهم ليسوا كذلك فقال :( وتضحكون ) أي استهزواء تجددون ذلك في كل وقت مبتدأ ضحككم منه وهو بعيد من ذلك، ولما كان إنما يورث الحزن بكونه نزل بالحزن قال :( ولا تبكون ) أي كما هو حق من يسمعه.
ولما كان البكاء قد يكون على التقصير في العمل، بين أن الأمر أخطر من ذلك فقال :( وأنتم ) أي والحال أنكم في حال بكائكم ) سامدون ) أي دائبون في العمل جاهدون في العمل، فإن الأمر جد، فالدأب في العمل والجد فيه حينئذ عل للبكاء، فكأنه قيل : ولا تدأبون في العمل فتبكون، وإنما قلت ذلك لأن ( سمد ) معناه دأب في العمل ورفع رأسه تكبراً وعلاً، وسمد الإبل : جد في السير، وسار سيراً شديداً، واسمادّ : ورم، وسمد : قام متحيراً وحزن وسر وغفل ولهاً وقام وحصل ونام واهتم وتكبر وتحير وبطر وأشر، وسمد الأرض : سهلها، وأيضاً جعل فيها السماد، أي السرقين، والشعر : استأصله، وهو لك سمداً أي سرمداً، والسميد : الحواري، ذكر ذلك مبسوطاً القزاز في جامعه وصاحب القاموس.
فالمادة كما ترى تدور على انتشارها على الدأب في العمل فتارة بذكر مبدئه الباعث عليه، وتارة الناشئ عنه، وتارة ما بينهما، وهو الجد في العمل، فينطلق الاسم على كل من ذلك تارة حقيقة ومرة بمجاز الأول، وأخرى بمجاز الكون، فالقصد باعث، وكذا الاهتمام والقيام ورفع الرأس ناشئان عنهما، وذلك أوله، والسدم بمعنى احرص والهم واللهج بالشي، والسديم : الضباب الرقيق، هو مبدأ الكشف، والمسدم : البعير المهمل وما دبر ظهره، كأنه من الإزالة، وركية سدم : متدفقة - للمعالجة في فتحها، ولأن تدفقها دأب في العمل، وكذا