صفحة رقم ٣٤٧
ولما كان ( ﷺ ) التعلق بطلب نجاتهم، فهو لذلك ربما اشتهى إجابتهم إلى مقترحاتهم، سبب عن ذلك قوله :( فتول عنهم ) أي كلف نفسك الإعراض عن ذلك فما عليك إلا البلاغ، وأما الهداية فإلى الله وحده. ولما بين اقتراب الساعة بالإجابة إلى بعض مقترحاتهم القائمة مقامها كلها بدلالته على القدرة عليها، وأتبع ذلك الفطم عن طلب الإجابة إلى شيء فيها لأنها لا تغني شيئاً، تطلعت النفوس الكاملة إلى وصف الساعة فأجاب عن ذلك على سبيل الاستئناف بذكر ظرفها وذكر...
ما يقع فيه من الأهوال، فقال معلقاً بما تقديره : الساعة كائنة على وجه الاقتراب الشديد :( يوم يدع ( ويجوز - والله أعلم - أن يكون الناصب له ) تول ( لأنهم لما أعرضوا حين دعاهم كان جزاءهم أن يعرض عنهم يوم حاجتهم إليه لأن الجزاء من جنس العمل، فكأنه قيل بعد أن عد القيامة أمراً محققاً لا يأتي النزاع فيه : تول عنهم في ذلك اليوم العبوس الذي أنت فيه الشافع المقبول...
واتركهم لأهواله ودواهيه، فقد بان الخاسر فتوليهم إنما يضرهم، لأن توليهم عنك لا يضرك شيئاً أصلاً، وتوليك عنهم يضرهم ضرراً ما بعدهم ضرر - والله أعلم، وحذف واو ( يدعو ) للرسم بإجماع المصاحف من غير موجب لأن المقام لبيان اقترابها، فكأنه إشارة إلى كونها بأدنى دعاء، وأيضاً ففي حذفه تشبيه للخبر بالأمر إشارة إلى أن هذا الدعاء لا بد على أن يكون على أعظم وجه أتقنه وأهوله وأمكنه كما يكون كل مأمور من الأمر المطاع، والوقف على هذا وامثاله بغير واو لجميع القراء موافقة للرسم لأن القاعدة أن ما كان فيها رواية أتبعت وإن خالفت الرسم أو الأصل، وما لم يرد فيه عن أحد منهم رواية اتبع فيه الرسم وإن خولف الأصل، لأن التخفيف معهود في كلام العرب كالوال والمتعال من أسمائه الحسنى، لكن قال علامة القراءات شمس الدين الجزري في كتابه المسمى بالنشر في هذه الأحرف الأربعة : هذا و ) يدع الإنسان ( في سبحان و ) يمح الله الباطل ( في شورى و ) سندع الزبانية ( في العق : نص الحافظ أبو عمرو الداني عن يعقوب على الوقف عليها بالواو على الأصل، ثم قال : قلت : وهو من انفراده، وقد قرأت به من طريقه ) الداع ) أي النفخ في الصور ) إلى شيء نكر ( عظيم الوصف في النكارة بما تكرهه النفوس فتوجل منه القلوب لأنه لا شيء منه إلا وهو خارج عما تقدمه من العادة.
ولما بين دعاءه بما هال أمره، بين حال المدعوين زيادة في الهول فقال :( خشعاً أبصارهم ) أي ينظرون نظرة الخاضع الذليل السافل المنزلة المستوحش الذي هو بشر حال، ونسب الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين من النظر فإن الذل أن يرمي به صاحبه إلى الأرض مثلاً مع هيئة يعرف منها ذلك كما قال تعالى :( خاشعين من الذل


الصفحة التالية
Icon