صفحة رقم ٣٧٢
والرعب باسم هو مع انه في غاية الغيب دال على أعظم الرجاء مفتتحاً لها بأعظم النعم وهو تعليم الذكر الذي هز ذوي الهمم العالية في القمر إلى الإقبال عليه بقوله ) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ( لأنه لما كان للعظمة الدالة عليها نون ) يسرنا ( التي هي عماد الملك نظران : نظر الكبرياء والجبروت يقتضي أن يتكلم بما يعجز خلقه من كل جهة في الفهم والحفظ والإتيان بمثله وكل معنى من معانيه، ونظر الإكرام والرحمة، وكانت رحمته سابقة لغضبه نظر بها لخلقه لا سيما هذه الأمة المرحومة فيسر لها الذكر تحقيقاً للرحمة المقطعة أوائل السور، ومنع المتعنت من أن يقول : إنه لا معاني لها بأن الفهم الحروف المقطعة أوائل اسور، ومنع المتعنت من أن يقول : إنه لا معاني لها بأن فهم بعض الأصفياء بعض أسرارها، فقال جواباً لمن كانه قال : من هذا المليك المقتدر، فقيل :( الرحمن ) أي العام الرحمة، قال ابن برجان : وهو ظاهر اسمه الله، وباطن اسمه الرب، جعل هذه الأسماء الثلاثة في ظهروها مقام الذات يخبر بها عنه وحجاباً بينه وبين خلقه، يوصل بها الخطاب منهم إليهم، ثم أسماؤه الظاهرة مبينة لهذه الأسماء الثلاثة - انتهى.
ومن مقتضى اسمه ) الرحمن ( انبثت جميع النعم، ولذا ذكر في هذه السورة أمهات النعم في الدارين.
ولما كان لا شيء من الرحمة أبلغ ولا أدل على القدرة من إيصار بعض صفات الخالق إلى المخلوق نوع إيصال ليتخلقوا به بحسب ما يمكنهم منه فيحصلوا على الحياة الأبدية والسعادة السرمدية قال :( علم القرآن ) أي المرئي المشهود بالكتابة والمتلو المسموع الجامع لكل خير، الفارق بين كل لبس، وكان القياس يتقضي أن لا يعلم المسموع أحد لأنه صفة من صفاته، وصفاته في العظم كذاته، وذاته غيب محض، لأن الخلق أحق من أن يحيطوا به علماً، ( وأين الثريا من يد المتناول ) فدل تعليمه القرآن على أنه يقدر أن يعلم ما أراد من أراد
٧٧ ( ) وعلمآدم الاسماء كلها ( ) ٧
[ البقرة : ٣١ ] ولا يخفى ما في تقديمه على جميع النعم من المناسبة لأن أجل النعم نعمة ادين التي تتبعها نعمة الدنيا والآخرة، وهو أعلى مراتب، فهو سنام الكتب السماوية وعمادها ومصداقها والعبار عليها، وفائدتها الإيصال إلى مقعد الصدق المتقدم لأنه بين ما يرضي الله ليعمل به وما يسخطه ليجتنب.
وقال الإمام جعفر بن الزبير : من المعلوم أن الكتاب العزيز وإن كانت آية كلها معجزة باهرة وسورة في جليل النظم وبديع التأليف قاطعة بالخصوم قاهرة، فبعضها أوضح من بعض في تبين إعجازها، وتظاهر بلاغتها وإيجازها : ألا ترى إلى تسارع