صفحة رقم ٣٧٧
وكثافتها، فكان كونها فيها عجباً دالاً على عظيم قدرته، وكان ذكرها يدل على ما تقدمها من النعم من جميع الأقوات، بدأ بها ليصير ما يتقدمها كالمذكور مرتين، فقال مستأنفاً وصفها بما هو أعم :( فيها فاكهة ) أي ضروب منها عظيمة جداً يدرك الإنسان بما له من البيان تباينها في الصور والألوان، والطعوم والمنافع - وغير ذلك من بديع الشأن.
ولما كان المراد بتنكيرها تعظيمها، نبه عليه بترعيف بنوع منها، ونوه به لأن فيه مع التفكه التقوت، وهو أكثر ثمار العرب المقصودين بهذا الذكر بالقصد الأول فقال :( والنخل ( ودل على تمام القدرة بقوله :( ذات ) أي صاحبة ) الأكمام ) أي أوعية ثمرها، وهو الطلع قبل أن ينفتق بالثمر، وكل نبت يخرج ما هو مكمم فهو ذو كمام، ولكنه مشهور في النخل لشرفه وشهرته عندهم، قال البغوي : وكل ماستر شيئاً فهو كم وكمة، ومنه كم القميص، وفيه تذكير بثمر الجنة الذي ينفتق عن نباهم، وذكر أصل النخل دون ثمره للتنبيه عن كثرة منافعه من الليف والسعف والجريد والجذوع وغيرها من المنافع التي الثمر منها.
ولما ذكر ما يتقات من الفواكه وهو في غاية الطول، أتبعه الأصل في الاقتيات للناس والبهائم وهو بمكان من القصر، فقال ذاكراً ثمرته لأنها المقصودة بالذات :( والحب ) أي من الحنطة وغيرها، ونبه على تمام القدرة بعد تنبيه بتمايز هذه المذكورات مع أن أصل الكل الماء بقوله :( ذو العصف ) أي الورق والبقل الذي إذا زال عنه ثقل الحب كان ما تعصفه الرياح التي تطيره، وهو التبن الذي هو من قوت البهائم.
ولما كان الريحان يطلق على كل نبت طيب الرائحة خصوصاً، وعلى كل نبت عموماً، أتبعه به ليعم ويخص جميع ما ذكر من سائر النبات وغيره على وجه مذكر بنعمه بغذاء الأرواح بعد ما ذكر غذاء الأشباح فقال :( والريحان ( ولما كان من كفر به سبحانه بإنكاره أو غنكار شيء من صفاته، أو كذب بأحد من رسله قد أنكر نعمه أو نعمة منها فلزمه بانكاره لتلك النعمة إنكار جميع النعم، لأن الرسل داعية إلى الله بالتذكير بنعمه، وكان ما مضى من هذه السورة إلى هنا اثنتي عشرة آية على عدد الكوفي والشامي، عدد فيها أصول نعمه سبحانه على وجه دل بغاية البيان على أن له كل كمال، وكان هذا العدد أول عدد زائد إشارة إلى تزايد النعم لأن كسوره النصف والثلث الربع والسدس تزيد على أصله، وكان قد مضى ذكر الثقلين الجن والإنس في قوله ) الأنام ( قال تعالى إشارة إلى أنهم المقصودون بالوعظ، منكراً موبخاً مبكتاً لمن أنكر شيئاً من نعمه أو قال قولاً أو فعل فعلاً يلزم منه إنكار شيء منها مسبباً عما مضى من تعداد هذه