صفحة رقم ٣٨٤
ولما كان قد ذكر الخارج منه بماء السماء، ذكر السائر عليه بالهواء، وأشار بتقديم الجار إلى أن السائر في الفلك لا تصريف له، وإن ظهر له تصريف فهو لضعفه كلا تصريف، فقال :( وله ) أي لا لغيره، فلا تغتروا بالأسباب الظاهرة فتقوا معها فتسندوا شيئاً من ذلك إليها كما وقف أهل الاغترار بالشاهد، الذين أجمد أهل الأرض أذهاناً وأحقرهم شأناً فقالوا بالاتحاد والوحدة ) الجوار ) أي السفن الكبار والصغار الفارغة والمشحونة.
ولما كانت حياة كل شيء كونه على صفة كماله، وكانت السفن تبنى من خشب مجمع وتوصل حتى تصير على هيئة تقبل المنافع الجمة، وكانت تربى بذلك الجمع كما تربى النبات والحيوان، وكانت ترتفع على البحر ويرفع شراعها وتحدث في البحر بعد أن كانت مستترة بجبال الأمواج قال تعالى :( المنشآت ( من نشأ - إذا وربا، والسحابة : ارتفعت، وأصل الناشئ كل ما حدث بالليل وبدأ، ومعنى قراءة حمزة وأبي بكر بكسر الشين أنها رافعة شراعها بسبب استمساكها عن الرسوب ومنشئة للسير، ومعنى قراءة الباقين أنه أنشأها الصانع وأرسلها ورفع شراعها.
ولما كانت مع كونها عالية على الماء منغمسة فيه مع أنه ليس لها من نفسها إلا الرسوب والغوص قال :( كالأعلام ) أي كالجبال الطوال.
ولما كان ما فيها من المنافع بالتكسب من البحر بالصيد وغيره والتوصل إلى البلاد الشاسعة للفوائد الهائلة، وكانت أعمالهم في البحر الإخلاص الذي يلزم منها الإخلاص في البر، لأنهما بالنسبة إلى إبداعه لهما وقدرته على التصرف فيهما بكل ما يريده على حد سواء، سبب عن ذلك قوله :( فبأيِّ آلاء ربكما ) أي النعمة العظمى ) تكذبان ( أبنعمة البصر من تحتكم أو غيرها من الأسفار، في محل الأخطار، والإنجاء عند الاضطراب والريح في محل الخسار، والإرشاد إلى ذلك بعد خلق مواد السفن وتعليم صنعتها وتسخيها والفلك لعدصي لوهما ( ؟ ) بمثابة جميع الكون، فخدامها كالملائكة في إقامة الملكوت وتحسين تماسكه بإذن ربهم، والمسافرون بها الذين أنشئت لأجلهم وزان المأمورين المكلفين المتهيئين الذين من أجلهم خلقت السماوات والأرض وما بينهما فعبر بهم من غربتهم إلى قرارهم، ومن غيبتهم إلى حضورهم ومشاهدهم، ومدبرها أمرها في أعلاها يأمرهم بأمره فيعدونه ويسمعون له، ثم قد يصرف الاعتبار إلى أن تكون آية على قطع المؤمن أيام الدنيا فالدنيا هي البحر، والسفينة جسمه، وباطن العبد هو المحمول فيها، العقل صاحب سياستها، والقوى خدمتها، وأمر الله وتدبيره محيط بها، والإيمان أمنتها، والتوفيق ريحها، والذكر شراعها، والرسول سائقها بما جاء به من عند ربه، والعمل الطيب يصلح شأنها - ذكر ذلك ابن برجان