صفحة رقم ٣٩٤
المالك لكما والمحسن إليكما ) تكذبان ( أبنعمة الشم من جهة التحت أو غيرها مما ذكره وجعل له في الدنيا أمثالاً كثيراً.
ولما كان بالمياءه حياة النبات وزكاؤه، قال ذاكراً أفضل النبات :( فيهما ) أي هاتين الجنتين العاليتين، ودل على جميع كل ما يعلم وزيادة بقوله :( من كل فاكهة ) أي تعلمونها أو لا تعلمونها ) زوجان ) أي صنفان يكمل أحدهما بالآخر كما لا يدرك كنه أحد الزوجين بسبب العمل بما يرضى والآخر بالانتهاء عما يسخط ) فبأيِّ آلاء ربكما ) أي النعم الكبار التي رباها الموجد لكما المحسن إليكما ) تكذبان ( أبنعمة اللمس من الأمام أو غيرها من أنه أوجد لكما جنان الدنيا بواسطة حر النار التي هي أعدى عدوكما إشارة إلى أنه قادر على أنه يوجد برضوانه ومحبته من موضع غضبه وانتقامه إكراماً، فقد جعل ما في الدنيا مثالاً لما ذكر في الآخرة، فبأي شيء من ذلك تكذبان، لا يكمل الإيمان حتى يصدق المؤمن أنه تعالى قادر على أن يجعل من جهنم جنة بأن يجعل من موضع سخطه رحمة ويشاء ذلك ويعتبر ذلك بما أرانا من نموذجه.
ولما كان التفكه لا يكمل حسنه إلا مع التنعم من طيب الفرش وغيره، قال مخبراً عن الذين يخافون مقام ربهم من قبيلي الإنس والجن مراعياً معنى ) من ( بعد مراعاة لفظها تحقيقاً للواقع :( متكئين ) أي لهم ما ذكر في حال الاتكاء وهو التمكين بهيئة المتربع أو غيره من الكون على جنب، قال في القاموس : توكأ عليه : تحمل، واعتمد كأوكأ، والتكأة كهمزة : العصا، وما يتوكأ عليه، وضربه فأتكأه : ألقاه على هيئة المتكئ أو على جانبه الأيسر، وقال ابن القطاع : وضربته حتى أتكأته أي سقط على جانبه، وهو يدل على تمام التنعم بصحة الجسم وفراغ البال ) على فرش ( وعظمها بقوله مخاطباً للمكلفين بما تحتمل عقولهم وإلا فليس في الجنة ما يشبهه على الحقيقة شيء من الدنيا ) بطائنها ) أي فما ظنك بظواهرها ووجوهها ) من إستبرق ( وهو ثخين الديباج يوجد فيه من حسنه بريق كأنه من شدة لمعانه يطلب إيجاده حتى كأنه نور مجرد.
ولما كان المتكىء قد يشق عليه القيام لتناول ما يريد قال :( وجنا الجنتين ) أي مجنيهما اسم بمعنى المفعول - كأنه عبر به ليفهم سهولة نفس المصدر الذي هو الاجتناء ) دان ) أي قريب من كل من يريده من متكىء وغيره لا يخرج إلى صعود شجرة، وموجود من كل حين يراد غير مقطوع ولا ممنوع.
ولما كان ربما وجد مثل من ذلك شاهد له من إغصان تنعطف بجملتها فتقرب وأخرى تكون قريبة من ساق الشجرة فيسهل تناولها قال :( فبأيِّ آلاء ربكما ) أي النعم الكبار الملوكية التي أوجدها لكما هذا المربي لكما الذي يقدر على كل ما يريد


الصفحة التالية
Icon