صفحة رقم ٣٩٩
البياض، وقال ابن جرير : بيض جمع ) مقصورات ) أي على أزاجهن ومحبوسات، صيانة عن التبذل، فهو كناية عن عظمتهن ) في الخيام ( التي هي من الدر المجوف الشفاف جزاء لمن قصر نفسه عن...
الله فكف جوارحه عن الزلات، وصان قلبه عن الغفلات ) فبأيِّ آلاء ربكما ) أي الجليل الإحسان إليكما ) تكذبان ( أبنعمة الذوق من جهة الفوق أم بغيرها مما جعله مثالاً لهذا في الدنيا، فإنه كما خلقنا من تراب ثم طورنا في أطوار الخلقة بحسب حكمة الأسباب كذلك خلق أولئك من أرض الجنة ورياضها وفواكهها عن كلمة السكان من غير أسباب.
ولما كانت أنفس الأخيار ذوي الهمم العالية الكبار في الالتفات إلى الأبكار قال :( لم يطمثهن ) أي يتسلط عليهن نوع سلطة ) إنس ( وعم الزمان بحذف الجار فقال :( قبلهم ) أي انتفى الطمث المذكور في جميع الزمان الكائن قبل طمث أصحاب هذه الجنان لهن، فلو وجد في لحظة من لحظات القبل لما صدق النفي ) ولا جان ( فهن في غاية الاختصاص كل بما عنده ) فبأيِّ ) أي فتسبب عن هذا التعدد لمثل هذه النعم العظيمة أنا نقول تعجيباً ممن يكذب توبيخاً له وتنبيهاً على ما له تعالى من النعم التي تفوت الحصر : بأيِّ ) آلاء ربكما ) أي النعم الجليلة من المدبر لكما بما له من القدرة التامة والعظمة الباهرة العامة ) تكذبان ( أبنعمة الذوق من تحت أم بغيرها مما جعله مثالاً لهذا من الأبكار المخدرات، وجميع ما ذكر من النعم العامة الظاهرة في كل حالة في الدنيا والآخرة، وختم بالتقرير أربع وعشرون ثمان منها أول السورة من النعم الدنياوية، وست عشرة جنان، وجعلها على هذا العدد، إشارة إلى تعظيمها بتكثيرها فإنه عدد تام لأنه جامع لأكثر الكسور، ولذا قسم الدرهم وغيره أربعة وعشرون قيراطاً.
ولما تم التقرير بالنعم المحيطة بالجهات الست والحواس الخمس على الوجه الأكل من درء المفاسد وجلب المصالح كما تقدمت الإشارة إليه بمدكر، بقوله :
٧٧ ( ) فهل من مدكر ( ) ٧
[ القمر : ١٧ ] في القمر، بالحسن فيها إلى الحواس الخمس وبتكرارها، وتكرار
٧٧ ( ) كيف كان عذابي ونذر ( ) ٧
[ القمر : ١٨ ] ستاً إلى الجهات الست من جهة الوراء والخلف، أوترها بنعمة أخرى واحدة إشارة إلى أن السبب في هذا اعتقاد وحدانية الواحد تعالى اعتقاداً أدى الخضوع لأمر مرسل كلما جاء من عنده تعالى فلذلك كانت نعمة لا تنقطع أصلاً، بل كلما تم دور منها ابتدأ دور آخر جديد، وهكذا على وجه لا انقطاع له أبداً كما أن الواحد الذي هو أصل العدد لا انتهاء له أصلاً، وهذه النعمة الدالة على الراحة الدائمة التي هي المقصودة بالذات على وجه لا يرى أغرب منه ولا أشرف، فقال تعالى مبيناً حال المحسنين ومن دونهم مشركاً لهم في الراحة على ما لا عين رأت ولا أذن


الصفحة التالية
Icon