صفحة رقم ٤١٣
ولما كانت أفهامهم واقفة مع المحسوسات لجمودهم.
وكان البلى كلما كان أقوى كان ذلك البالي في زعمهم من البعث أبعد، قالوا مخرجين في جملة فعلية عطفاً على الواو من ) معبوثون ( من غير تأكيد بضمير الفصل بالاستفهام :( أو آباؤنا ) أي يبعث أي الذين قد بليت مع لحومهم عظامهم، فصاروا كلهم تراباً ولا سيما إن حملتهم السيول ففرقت ترابهم في كل أوب، وذهبت به في كل صوب، وسكن نافع وابن عامر الواو على أن العاطف ) أو ( ويجوز أن يكون العطف على محل ( إن ) واسمها.
ولما كانوا في غاية الجلافة، رد إنكارهم بإثبات ما نفوه، وزادهم الإخبار بإهانتهم ثم دل على صحة ذلك بالدليل العقلي لمن يفهمه، فقال مخاطباً لأعلى الخلق وأوقفهم به لأن هذا المقام لا يذوقه حق ذوقه إلا هو كما أنه لا يقوم بتقريره لهم والرفق بهم إلا هو :( قل ) أي لهم ولكل من كان مثلهم، وأكد لإنكارهم :( إن الأولين ( الذين جعلتم الاستبعاد فيهم أولياً، ونص على الاستغراق بقوله :( والآخرين ( ودل على سهولة بعثهم وأنه في غاية الثبات، منبهاً على أن نقلهم بالموت والبلى تحصيل لا تفويت :( لمجموعون ( بصيغة اسم المفعول، في المكان الذي يكون فيه الحساب.
ولما كان جمعهم بالتدريج، عبر بالغاية فقال :( إلى ميقات ) أي زمان ومكان ) يوم معلوم ) أي معين عند الله، ومن شأنه أن يعلم بما عنده من الأمارات، والميقات : ما وقت به الشيء منزمان أو مكان أي حد.
ولما كان زمان البعث متراخياً عن نزول القرآن، عبر بأداته وأكد لأجل إنكارهم فقال :( ثم ) أي بعد البعث بعد الجمع المدرج ) إنكم ( وأيد ما فهمه من أصحاب الشمال هم القسم الأدنى من أصحاب المشأمة فقال :( أيها الضالون ) أي الذين غلبت عليه الغباوة فيهم لا يفهمون، ثم أتبع ذلك ما أوجب الحكم عليهم بالضلال فقال :( المكذبون ) أي تكذيباً ناشئاً عن الضلال والتقيد بما لا يكذب به إلا عريق في التكذيب بالصدق ) لآكلون من شجر ( منبته النار.
ولما كان الشجر معدن الثمار الشهية كالسدر والطلح، بينه بقوله :( من زقوم ) أي شيء هو في غاية الكراهة والبشاعة في المنظر ونتن الرائحة والأذى، قال أبو عبد الله القزاز في ديوانه الجامع وعبد الحق في واعيه : الزقم : شوب اللبن والإفراط فيه، يقال : بات يزقم اللبن زقماً، ومن هذا الزقوم الذي ذكرهالله تبارك وتعالى، وقالا : قال أبو حنيفة : الزقوم شجرة غبراء صغيرة الورق لا شوك لها زفرة لها كعابر في رؤوسها ولها ورد تجرشه النحل، ونورها أبيض ورأس ورقها قبيح جداً، وهي مرعى، ومنابتها السهل، وقال في القاموس : في الدفر بالدال