صفحة رقم ٤١٧
أي إنشاء جديداً بعد تبديل ذواتكم ) في ما لا تعلمون ( فإن بعضهم تأكله السباع أو الحتيان أو الطيور فتنشأ أبدانُها منه، بعضهم يصير تراباً فربما نشأ منه نبات فأكلته الدواب، فنشأ منه أبدانها، وربما صار ترابه من معادن الأرض كالذهب والفضة والحديد والحجر ونحو ذلك، وقد لمح إلى ذلك قوله تعالى :( قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً ( غلى آخرها، أو يكون المعنى كما قال البغوي : نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم ونخلقكم فيما لا تعلمون من الصور.
أي بتغيير أوصافكم وصوركم في صور أخرى بالمسخ، ومن قدر على ذلك قدر على الإعادة.
الواقعة :( ٦٢ - ٦٩ ) ولقد علمتم النشأة.....
) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ( ( )
ولما كان التقدير : فلقد علمتم النشأة الثانية النطفية، عطف عليه قوله مؤكداً تنبيهاً على أنهم لما كانوا يعملون بخلاف ما يعلمون كانوا كأنهم منكرون لهذا العلم :( ولقد علمتم ) أي أيها العرب ) النشأة الأولى ( الترابية لأبيه آدم عليه الصلاة والسلام : أو اللحمية لأمكم حواء عليها السلام حيث لم يكن هناك طبيعة تقتضي ذلك، وإلا لوجد مثل ذلك بعد ذلك، والنطفية لكم، وكل منها تحويل من شيء إلى غيره، فالذي شاهدتم قدرته على ذلك لا يقدر على تحويلكم بعد أن تصيروا تراباً إلى ما كنتم عليه أولاً من الصورة ؟ ولهذا سبب عما تقدم قوله :( فلولا ) أي فهلا ولم لا ) تذكرون ) أي تذكراً عظيماً تكرهون أنفسكم وإن كان فيه خفاء ما - مما أشار إليه الإدغام من أن الملوم عليه غيب، وكذا بعض ما قيس به أن من قدر على هذه الوجوه من الإبداءات قدر على الإعادة، بل هي أهون في مجاري عاداتكم.
ولما كان علمهم بأمر النبات الذي هو الآية العظمى لإعادة الأموات أعظم من علمهم بجميع ما مضى، وكان أمره في الحرث وإلقاء البذر فيه أشبه شيء بالجماع وإلقاء النطفة، ولذلك سميت المرأة حرثاً، وصل بما مضى مسبباً عنه قوله منكراً عليهم :( أفرأيتم ( اي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهناكم عليه وفيما تقدم فتسبب عن تنبهكم لذلك أنكم رأيتم ) ما تحرثون ) أي تجددون حرثه على سبيل الاستمرار بتهيئة أرضه للبذر وإلقاء البذر فيه.
ولما كانوا لا يدعون القدرة على الإنبات بوجه، وكان القدر عليه قادراً على كل شيء، وهم يعتقدون في أمر البعث ما يؤدي إلى الطعن في قدرته، كرر الإنكار عليهم