صفحة رقم ٤١٩
التنعم، قال الكسائي : هو من الأضداد، تقول العرب : تفكهت أي تنعمت، وتفكهت، أي حزنت، بين المراد بقوله حكاية لتفكههم :( إنا ( وأكد إعلاماً بشدة بأسهم فقال ) لمغرمون ) أي مولع بنا وملازمون بشر دائم وعذاب وهلاك لهلاك رزقنا، أو مكرمون بغرامة ما أنفقنا ولم ينتفع به، وقراءة أبي بكر عن عاصم بالاستفهام لإنكار هذا الواقع والاستعظام له والتعجب منه، وهي منبهة على أنهم لشدة اضطرابهم من ذلك الحادث مذبذبون تارة يجزمون باليأس والشر وتارة يشكون فيه وينسبون الأمر إلى سوء تصرفهم، وعليه يدل إضرابهم :( بل نحن ) أي خاصة ) محرمون ) أي حرمنا غيرنا زرعه، قال في القاموس : الغرام : الولوع والشر الدائم والهلاك والعذاب، والغرامة ما يلزم أداؤه، وحرمه : منعه، والمحروم، الممنوع عن الخير ومن لا ينمى له مال والمحارف - أي بفتح الراء - وهو الممنوع من الخير الذي لا يكاد يكتسب، وقال الأصبهاني في تفسيره : والمحروم ضد المرزوق، أي والمرزوق المجرود بالجيم وهو المحظوظ.
ولما وقفهم على قدرته في الزرع مع وجود أسبابه، وقدمهم بشدة إليه، وكان ربما ألبس نوع لبس لأن لهم فيه سبباً في الجملة، أتبعه التوقيف على قدرته على التصرف في سببه الذي هو الماء الذي لا سبب لهم في شيء من أمره أصلاً، فقال مسبباً عما أفادهم هذا التنبيه مذكراً بنعمة الشرب الذي يحوج إليه الغذاء :( أفرءيتم ) أي أخبروني هل رأيتم بالبصر أو البصيرة ما نبهنا عليه مما مضى في المطعم وغيره، أفرأيتم ) الماء ( ولما كان منه ما لا يشرب، وكانت النعمة في المشروب أعظم، قال واصفاً له بما إغنى عن وصفه بالعذوبة، وبين موضع النعمة التي لا محيد عنها فقال :( الذي تشربون ( ولما كان عنصره في جهة العلو، قال منكراً عليهم مقرراً لهم :( أءنتم أنزلتموه ( ولما كان الإنزال قد يطلق على مجرد إيجاد الشيء النفيس، وكان السحاب من عادته المرور مع الريح لا يكاد يثبت، عبر بقوله تحقيقاً لجهة العلو وتوقيفاً عل موضع النعمة في إثباته إلى أن يتم حصول النفع به :( من المزن ) أي السحاب المملوء الممدوح الذي شأنه الإسراع في المضي، وقال الأصبهاني، وقيل : السحاب الأبيض خاصة، وهو أعذب ماء ) أم نحن ) أي خاصة، وأكد بذكر الخبر وهو لا يحتاج إلى ذكره في أصل المعنى فقال :( المنزلون ) أي له، رحمة لكم وإحساناً إليكم بتطييب عيشكم على ما لنا من مقام العظمة الذي شأنه الكبر والجبروت وعدم المبالاة بشيء، والآية من الاحتباك بمثل ما مضى في الآيتين السابقتين سواء.


الصفحة التالية
Icon