صفحة رقم ٤٢٤
ولما كان الكلام السابق في الماء الذي جعله سبحانه مجمعاً للنعيم الدنيوية الظاهرة وقد رتب سبحانه لإنزاله الأنواء على منهاج دبره وقانون أحكمه، وجعل إنزال القرآن نجوماً مفرقة وبوارق متلالئة متألقة قال :( بمواقع النجوم ) أي بمساقط الطوائف القرآنية المنيرة النافعة المحيية للقلوب، وبهبوطها الذي ينبني عليه ما ينبني من الآثار الجليلة وأزمان ذلك وأماكنه وأحواله، وبمساقط الكوكب وأنوائها وأماكن ذلك وأزمانه في تدبيره على ما ترون من الصنع المحكم والفعل المتقن المقوم، الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئاً، لقدرته على الإيجاد بعد الإعدام، وبآثار الأنواء على مثل ذلك بأوضح منه - إلى غير ذلك من الدلالات التي يضيق عنها العبارات، ويقصر دون علينا مديد الإشارات، ولمثل هذه المعاني الجليلة والخطوب العظيمة جعل في الكلام اعتراضاً بين القسم وجوابه، وفي الاعتراض اعتراضاً بين الموصوف وصفته تأكيداً للكلام، وهزاً لنافذ الأفهام تنبيهاً على أن الأمر عظيم والخطب فادح جسيم، فقال موضحاً له بالتأكيد رحمة للعبيد بالإشارة إلى أنهم جروا على غر ما يعلمون من عظمتنا فعدوا غير عالمين :( وإنه ) أي هذا القسم على هذا المنج ) لقسم لو تعلمون ) أي لو تجدد لكم في وقت علم لعلمتم أنه ) عظيم ( وإقسامه لنا على ذلك ونحن أقل قدراً وأضعف أمراً إعلاماً بما له من الرحمة التي من عظمها أنه لا يتركنا سدى - كل ذلك ليصلح أنفسنا باتباع أمره والوقوف عند زجره، قال ابن برجان : ومن إتقانه جل جلاله في خليقته وحكمه في بريته أن جعل لكل واقع من النجوم الفلكية طالعاً يسمى بالإضافة إلى الواقع الرقيب دون تأخر، وذلك هو المشار إليه بقوله تعالى :
٧٧ ( ) رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان ( ) ٧
[ الرحمن : ١٨ ] يجمع ذلك الشمس والقمر والنجوم وهي نجوم منازل القمر عددها ثمانية وعشرون منزلة سوى تحجبها الشمس فتمت والنجوم وهي نجوم منازل القمر عددها ثمانية وعشرون وربما استتر ليلتين، فالقمر ينزل في هذه المنازل كل ليلة منزلة حتى يتمها لتمام الشهر، وإما الشمس فإنها تقيم فيها أربعة عشر يوماً ويسمى حلولها في هذه المحال ثم طلوع المنزلة التي تليها لوقوع هذا رقيب لها نوء - انتهى، وهو يعني أن من تأمل هذه الحكم علم ما في هذا القسم من العظم، وأشبع القول فيها أبو الحكم، وبين ما فيها من بدائع النعم، ثم قال : ويفضل الله بفتح رحمته كما يشاء فينزل من السماء ماء مباركاً يكسر به من برد الزمهرير فيرطبه ويبرد من حر السعير فيعدله، وقسم السنة على أربعة فصول أتم فيها أمره في الأرض بركاتها وتقدير أقواتها، قال
٧٧ ( ) وبارك فيها وقدر بها أقواتها في أربعة


الصفحة التالية
Icon