صفحة رقم ٤٣٠
ولما كان جنان الدنيا قد يكون فيها نكد، أضاف هذه الجنة إلى المراد بهذه الجنان إعلاماً بأنها لا تنفك عنه فقال :( نعيم ) أي ليس فيها غيره بل هي مقصورة عليه ) وأما إن كان ) أي الميت منهم ) من أصحاب اليمين ) أي الذين هم الدرجة الثانية من أصحاب الميمنة ) فسلام ) أي سلامة ونجاة وأمر وقول دال عليه.
ولما كان ما يواجه به الشريف من ذلك أعلى قال :( لك ) أي يا أعلى الخلق أو أيها المخاطب.
ولما كان من أصاب السلام على وجه من الوجوه فائزاً، فكيف إذا كان مصدراً للسلام ومنبعاً منه قال :( من أصحاب اليمين ) أي انهم في غاية من السلامة وإظهار السلام، لا يدرك وصفها، وهو تمييز فيه معنى التعجيب، فإن إضافته لم تفده تعريفاً، وفي اللام و ) من ( مبالغة في ذلك، فالمعنى : فأما هم فعجباً لك وأنت أعلى الناس في كل معنى، وأعرفهم بكل أمر غريب منهم في سلامتهم وسلامتهم وتعافيهم وملكهم وشرفهم وعلو مقامهم، وذلك كله إنما أعطوه لأجلك زيادة في شرفك لاتباعهم لدينك، فهو مثل قول القائل حيث قال :
فيا لك من ليل كأن نجومه بكل مقار العمل شدت يذبل
وقول القائل أيضاً حيث قال : أي عجباً لك من ليل وعجباً من أنو شروان.
ولما ذكر الصنفين الناجيين، أتبعهما الهالكين جامعاً لهم في صنف واحد لأن من أريدت له السعادة يكفيه ذلك، ومن ختم بشقائه لا ينفعه ذلك الإغلاظ والإكثار فقال ) وأما إن كان ) أي ذلك الذي أخذناه من أصحاب المشأمة وأنتم حوله تنقطع أكبادكم له ولا تقدرون له على شيء أصلاً ) من المكذبين (.
ولما كان المكذب تارة يكون معانداً، وتارة يكون جاهلاً مقتصراً، قال :( الضالين ) أي أصحاب الشمال الذين وجهوا وجهة هدى فزاغوا عنها لتهاونهم في البعث ) فنزل ) أي لهم وهو ما يعد للقادم على ما لاح ) من حميم ) أي ماء متناه في الحرارة بعد ما نالوا من العطش كما يرد أصحاب الميمنة الحوض كما يبادر به القادم ليبرد به غلة عطشه ويغسل به وجهه ويديه ) وتصليه جحيم ) أي لهم بعد النزل يصلوا النار الشديدة التوقد صلياً عظيماً.
ولما تم ما أريد إثبات البعث على هذا الوجه المحكم البين، وكانوا مع البيان يكذبون به، لفت الخطاب عنهم إلى أكمل الخلق، وأكد تسميعاً لهم فقال سائقاً له


الصفحة التالية
Icon