صفحة رقم ٤٤٥
أنهم يعطون مع المؤمنين نوراً خديعة لهم بما خادعوا في الدنيا لتعظم عليهم المشقة بفقده لأنه لا يلبث أن يبعث الله عليهم ريحاً وظلمة فتطفئ نورهم ويبقون في الظلمة، وإلى ذلك ينظر قول المؤمنين ) أتمم لنا نورنا ) أي لا تطفئه كما أطفأت نور المنافقين.
ولما كان المنكئ لهم إنما هو الرد من أي قائل كان، بنى للمفعول قوله :( قيل ) أي لهم جواباً لسؤالهم قول رد وتوبيخ وتهكم وتنديم :( ارجعوا وراءكم ) أي في جميع جهات الوراء التي هي أبعد الجهات عن الخير كما كنتم في الدنيا لا تزالون مرتدين على أعقابكم عما يستحق أن يقبل عليه ويسعى إليه ) فالتمسوا ( بسبب ذلك الرجوع ) نوراً ( ويصح أن يراد بالوراء الدنيا لأن هذا النور إنما هو منها بسبب ما عملوا فيها من الأعمال الزاكية والمعارف الصافية، ولهذا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب المحبة من الإحياء : إن هذه الآية تدل على أن الأنوار لا بد أن يتجدد أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقاً فأمّا أن يتجدد ثَمَّ نور فلا.
ولما كان التقدير : فرجعوا أو فأقاموا في الظلمة، سبب عنه وعقب قوله :( فضرب ( مبنياً للمفعول على نحو الاول، ولإفادة أن الضرب كان في غاية السرعة والسهولة، ويجوز أن تكون الفاء معقبة على ما قبله من غير تقدير ) بينهم ) أي في جميع المسافة التي بين الذين آمنوا وأضدادهم في وقت قولهم هذا.
ولما كان المقصود أن ضربه كان في غاية السرعة، لم يوقع الفعل وأتى بالفاء ليفيد أنه كان كأنه عصاً ضرب به الأرض ضربه واحدة، فقال :( بسور ) أي جدار محيط محيل بين الجنة والنار لا يشذ عنه أحد منهم ولا يقدر أحد ممن سواهم أن يتجاوزه إليهم ) له باب ( موكل به حجاب لا يفتحون إلا لمن أذن الله له من المؤمنين بما يهديهم إليه من نورهم الذي بين أيديهم لشفاعة أو نحوها ) باطنه ) أي ذلك السورة الباب وهو الذي من جهة الذين آمنوا جزاء لإيمانهم الذي هو غيب ) فيه الرحمة ( وهي مالهم من الكرام بالجنة التي هي ساترة ببطن من فيها بأشجارها وبأسبابها كما كانت بواطنهم ملاء رحمة ) وظاهره ) أي السور أيو الباب الذي يظهر لأهل النار، مبتدئ ) من قبله ) أي تجاه ذلك الظاهر وناحيته وجهته وعنده ) العذاب ( من النار ومقدماتها لاقتصار أهله على الظواهر من غير أن يكون لهم نفوذ إلى باطن وعكس ما أرادوا من حفظ ظواهرهم في الدنيا مع فساد بواطنهم، ودل على ما أفهمه التعبير بالمضارع في ( يقول ) من التكرير بقوله استئنافاً :( ينادونهم ) أي المنافقون والمنافقت، يواصلون النداء وهم في الظلمة للذين آمنوا يترفقون لهم في مدة هذا القول والضرب :( ألم نكن ) أي بكليتنا ) معكم ) أي فيما كنتم فيه من الدين فنستحق المشاركة فيما صرتم إليه بسبب ذلك الدين الذين كنا