صفحة رقم ٤٤٨
ولما كان للمسابقة والمنافسة أمر عظيم في تحريك الهمم لأهل الأنفة وأولي المعالي قال :( ولا يكونوا كالذين ( ولما كان العلم بمجرده كافياً في إعلاء الهمة فكيف إذا كان من عند الله فكيف إذا كان بكتاب، إشارة إلى ذلك بالبناء للمجهول فقال :( أوتوا الكتاب ) أي لو كان الإتيان من عند غير الله لكان جديراً بالهداية فكيف وهو من عنده.
ولما كان إنزال الكتب لم يكن إلا على بني إسرائيل فلم يكن مستغرقاً للزمان الماضي أدخل الجارّ فقال :( من قبل ) أي قبل ما نزل إليكم وهم اليهود والنصارى.
ولما كانوا في كل قليل يعبرون قال عاطفاً على ) أوتوا الكتاب (.
) فطال عليهم الأمد ) أي الزمان الذي ضربناه لشرفهم ومددناه لعلوهم من أول إيتائهم الكتاب الذي من شأنه ترقيق القلوب، والأمد الأجل، وكل منهما يطلق على المدة كلها وعلى آخرها، وكذا الغاية بقول النحاة :( من ) لابتداء الغاية و ( إلى ) لانتهائها، والمراد جميع المدة ) فقسمت ) أي بسبب الطول ) قلوبهم ) أي صلبت واعوجت حتى كانت بحيث لا تنفعل للطاعات والخير فكانوا كل قليل في تعنت شديد على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام يسألونهم المقترحات، وأما بعد ايتائهم فأبعدوا في القساوة، فمالوا إلى دار الكدر بكلياتهم وأعرضوا عن دار الصفاء فانجروا إلى الهلاك باتباع الشهوات، قال القشيري : وقسوة القلب إنما تحصل من اتباع الشهوة وإن الشهة والصفوة لا تجتمعان.
ولما كان التقدير : فبعضهم ثبت على تزلزل، عطف عليه قوله :( وكثير منهم ( أخرجته قساوته عن الدين أصلاً ورأساً فهم ) فاسقون ) أي عريقون في وصف الإقدام على الخروج من دائرة الحق التي عداها لهم الكتاب، وعن عبد الله بن الزبير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال :( لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلاّ أربع سنين ) رواه الطبراني في الكبير، قال الهيثمي : وفيه موسى بن يعقوب الربعي وثقه ابن معين وغيره وضعفه ابن المديني وبقية رجاله رجال الصحيح.
انتهى.
ولما كان الموجب الأعظم للقسوة إنكار البعث، وكان العرب يزيدون على أهل الكتاب من موجبات القسوة به، وكان عمل العامل بما يدل على القسوة عمل من ينكره، قال مهدداً به مقرراً لما ابتدأ به السورة من أمر الغحياء مشيراً إلى القدر على إحياء القلوب ممثلاً لإزالة القسمة عنها بصقل الذكر والتلاوة ترغيباً في إدامة ذلك :( اعلموا (


الصفحة التالية
Icon