صفحة رقم ٤٥١
فمن كذب بشيء على أحد منهم أوعمل عمل المكذب له لم يكن مؤمناً به ) أولئك ) أي الذين لهم الرتب العالية والمقامات السامية ) هم ( اي خاصة لا غيرهم ) الصديقون ) أي الذين هم في غاية الصدق والتصديق لما يحق له أن يصدقه من سمعه، وقال القشيري : الصديق من استوى ظاهره وباطنه، ويقال : هو الذي يحمل الأمر على الأشق ولا ينزل إلى الرخص، ولا يحتاج للتأويلات، ولما كان الصديق لا يكون عريقاً في الصديقية إلا بالتأهيل لرتبة لاشهادة قال تعالى :( والشهداء ( معبراً بما مفرده شهيد عاطفاً بالواو إشارة إلى قوة التمكن في كل من الوصفين، قال القشيري : هم لاذين يشهدون بقلوبهم بواطن الوصل ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، وزاد المر عظماً بقوله :( عند ربهم ) أي الذي أحسن إليهم بالقربة بمثل تلك الرتبة العالية من الشهادة لله بكل ما أرسل به رسله، والأنبياء الماضين على أممهم والحضور في جميع الملاذ بالشهادة في سبيل الله، قال مجاهد : كل مؤمن صديق وشهيد - وتلا هذه الآية ) لهم ) أي جميع من مضى من الموصفين بالخير ) أجرهم ) أي الذي جعله ربهم لهم ) ونورهم ) أي الذي زادهموه من فضله برحمته، أولئك أصحاب النعيم المقيم.
ولما ذكر أهل اسعادة جامعاً لأصنامهم، أتبعهم أهل الشقاوة لذلك قال :( والذين كفروا ) أي ستروا ما دلت عليه أنوار عقولهم ومرائي فكرهم ) وكذبوا بآياتنا ( على ما لها من العظمة بنسبتها إلينا سواء كانوا في ذلك مساترين أو مجاهرين أو عمل العالم بها عمل المكذب ) أولئك ) أي المبعدون من الخير خاصة ) أصحاب الجحيم ) أي النار التي هي غاية في توقدها، خالدون فيها من بين العصاة، وأما غيرهم فدخولهم لها إذا دخلوها ليس على وجه الصحبة الدالة على الملازمة، وأولئك هم الكاذبون الذي لا تقبل لهم شهادة عند ربهم، لهم عقابهم وعليهم ظلامهم، والآية من الاحتباك : ذكر الصديقية وما معها أولاً دليلاً على أضدادها ثانياً، والجحيم ثانياً دليلاً على النعيم أولاً، وسره أن الأول أعظم في الكرامة، والثاني أعظم في الإهانة.
ولما ذكر سبحانه حال الفريقين : الأشقياء والسعداء، فتقرر بذلك أمر الآخرة، فعلموا أنها الحيوان الذي لا انقضاء له من إكرام أو هوان، وكان الموجب للهوان فيها إنما هو الإقبال على الدنيا لحضورها ونسيان الآخرة لغيابها، قال منتجاً مما مضى مبيناً لحقيقة ما يرغب فيه المكلف المركب على الشهوة من العاجلة بما نزهه فيه مصدّراً له بما يوجب غاية اليقظة والحضور :( اعملوا ) أي أيها العباد المبتلون، وأكد المعنى بزيادة ) ما ( لما للناس من الغفلة عنه فقال قاصراً قصر قلب :( إنما الحيوة الدنيا ) أي الحاضرة التي رغبت في الزهد فيها والخروج عنها بالصدقة والقرض الحسن ) لعب (


الصفحة التالية
Icon