صفحة رقم ٤٥٣
ذلك النبات فإنه لا يعجب العارفين به الممارسين له الذي لهم غياة الإقبال على تلك الحرفة فالمنافسة فيها إلا ما يكون منها نهاية في الإعجاب، وإلى أنه لا يعجب أحداً شيء من الدنيا إعجاباً يركن ويأنس به أنساً يؤدي إلى ما في الآية من اللهو وما معه إلا لكفر في نفسه أقله كفر النعمة التي من شأنها أن تدعو إلى تذكر الخالق وتذكر الجميل على الشكر، وترك الشكر كفر ) نباته ( اي نبات ذلك الغيب كما يعجب الكافر في الكفر في الغالب بسط الدنيا له استدراجاً من الله تعالى.
ولما كان الزرع يشيخ بعد مُدَيدة فيضمحل كما هو شأن الدنيا كلها قال :( ثم يهيج ) أي يسرع تحركه فيتم جفافه فيحين حصاده ) فتراه مصفراً ) أي عقب ذلك بالقرب منه على حالة لا ثمر معها بل ولا نبات، ولذلك قال معبراً بالكون لأن السياق للتزهيد في الدنيا وأنها ظل زائل لا حقيقة لها :( ثم ) أي بعد تناهي جفافه وابيضاضه ) يكون ) أي كوناً كأنه مطبوع عليه، وأبلغ سبحانه في تقرير اضمحلاله بالإتيان مع فعل الكون هنا للمبالغة لأن السياق لتقرير أن الدنيا عدم وإن كانت في غاية الكثرة والإقبال والمؤاتاة بخلاف ما مضى في الزمر فقال :( حطاماً ( كأن الحطامية كانت في جبلته وأصل طبعه.
ولما ذكر الظل الزائل، ذكر أثره الثابت الدائم مقسماً له على قسمين، فقال عاطفاً على ما تقديره هذا حال الدنيا في سعرة زوالها وتحقق فنائها واضمحلالها :( وفي ) أي هذا الذي غر من حال الدنيا وهو في ) الآخرة ( على أحدهما ) عذاب شديد ) أي لمن أخذها بغير حقها معرضاً عن ذكر الله لأن الاغترار بها سببه، فكان كأنه هو.
ولما قدم ما هو السبب الأغلب لأن أكثر الخلق هالك، أتبه الصنف الناجي.
فقال :( ومغفرة ) أي لأهل الدرجة الأولى في الإيمان ) من الله ) أي الملك الأعظم لمن يذكر بما صنعه له في الدنيا عظمته سبحانه وجلاله فتاب من ذنوبه، ورجع إليه في التطهير من عيوبه ) ورضوان ( لأهل الدرجة العليا وهم من أقبل عليه سبحانه فشكره حق شكره ببذل وسعه فيما يرضيه، فآخر الآية تقسيم للدنيا على الحقيقة لئلا يظن من حصرها فيما ذكر أول الآية أنها لا تكون إلا كذلك، فالمعنى أن الذي ذكره أولاً هو الأغلب لأحوالها عاقبته النار، وما كان منها من إيمان وطاعة ونظر توحيد الله وتعظيم ومعرفة تؤدي إلى أخذها تزوداً ونظرها اعتباراً وتعبداً، فهو آخره لا دنيا، وقد تحرر أن مثل الغيث المذكور الحطام وتارة يعقبه نكد لازم وأخرى سرور دائم، فمن عمل في ذلك عمل الحزمة فحرس الزرع ما يؤذيه وحصده في وقته وعمل فيه ما ينبغي ولم ينس حق الله فيه سره أثره وحمدت عاقبته، ومن أهمل ذلك أعقبه الأسف، وذلك هو مثل