صفحة رقم ٤٥٦
بقوله :( في الأرض ) أي من منابتها ومياهها ونحو ذلك ) ولا في أنفسكم ) أي بموت ومرض وعين وعرض ) إلا ( هي كائنة ) في كتاب ) أي مكتوب لأنه مقدر مفروغ من القدم، وبين أن الكتابة حدثت بعد أن كان هو سبحانه ولا شيء معه بإدخال الجارّ فقال :( من قبل أن نبرأها ) أي نخلق ونوجد ونقدر المصيبة والأرض والأنفس، وهذا دليل على أن اكتساب العباد يجعله سبحانه وتقديره.
ولما كان ذلك متعذراً على الملخوق فهو أشد شيء تكرهاً له وقوفاً مع الوهم قال مؤكداً :( إن ذلك ) أي الأمر الجليل وهو علمه بالشيء وكتبه له على تفاصيله قبل كونه، ثم سوقه النفوس والأسباب إلى إخراجه بعد التكوين على مقدار ما سبق علمه به وكتبه له ) على الله ) أي على ما له من الإحاطة بالكمال ) يسير ( لأن عمله محيط بكل شيء وقدرته شاملة لا يعجزها شيء.
ولما بين هذا الأمر العظيم الدال على ما له سبحانه من الكبرياء والعظمة، بين ثمرة أعماله بقوله :( لكيلا ) أي أعملناكم بأن على ما لنا من العظمة قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير، لأن الحزن لا يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه، كما قال النبي ( ﷺ ) :( يا معاذ ليقلّ همك ما قدر يكن ) أجل أن لا ) تأسوا ) أي تحزنوا حزناً كبيراً زائداً ) على ( ما في أصل الجبلة، يوصل إلى المبلغ بتعاطي أسبابه والتمادي فيها ليتأثر عنها السخط وعدم الرضا بالقضاء، فربما جر ذلك إلى أمر عظيم ) ما فاتكم ( من المحبوبات الدنيوية ) ولا تفرحوا ) أي تسروا سروراً يوصل إلى البطر بالتمادي مع ما في أصل الجبلة ) بما آتاكم ) أي جاءكم منها على قراءة أبي عمرو بالقصر، وأعطاكم الله على قراءة الباقين بالمد، وهي تدل على أن النعم لا بد في إيجادها وإبقائها من حافظ، ثم إنها لو خليت ونفسها فاتت لأنه ليس من فقد ما لديه من أعيان ومعان قبل أن تأمره بالعدم والوجدان، فلم يغيره ذلك عن المسابقة المذكورة، فالمنهي عنه التمادي مع الحزن حتى يخرج عن الصبر ومع الفرح الصادق : ما لك تأسف على مفقود ولا يرده إليك الوفت، وما لك تفرح بوجود ولا يتركه في يدك الموت - انتهى، ولقد عزى الله المؤمنين رحمة لهم في مصائبهم وزهدهم في رغائبهم بأن أسفهم على فوت المطلوب لا يعيده، وفرحهم بحصول المحبوب لا