صفحة رقم ٤٥٩
مزيد عليه لانتظام جميع أحوالهم، هذا لمن أذعن للبينات لذات من أقامها أو للرغبة فيها عنده.
ولما كان الإعراض بعد الإبلاغ في الإيضاح موجباً للرد عن الفساد بأنواع الجهاد، قال مهدداً وممتناً ترغيباً وترهيباً معبراً عن الخلق بالإنزال تشريفاً وتعظيماً :( وأنزلنا ) أي خلقنا خلقاً عظيماً بما لنا من القدرة ) الحديد ) أي المعروف على وجه من القوة والصلابة واللين والحدة لقبول التأثير يعد به كالبائن لما في الأرض، فلذلك سمي إيجاده إنزالاً، ولأن الأوامر بالإيجاد والإعدام تنزل من السماء على أيدي الملائكة لأن السماء محل الحوادث الكبار، والبدائع والأسرار، لأن الماء الذي هو أصله وأصل كل نام ينزل من السماء وتكون الأرض له بمنزلة الرحمن للنطفة.
ولما وقع التشوف إلى سبب إنزاله، قال :( ومنافع للناس ( بما يعمل منه من مرافقهم ومعاونهم لتقوم أحوالهم بذلك، قال البيضاوي : ما من صنعة إلا والحديد آلتها.
ولما كان التقدير : ليعلم الله من يعصيه ويخذل أولياءه، بوضع بأسه في غير ما أمر به نصرة لشيطانه وهواه وافتنانه، عطف عليه قوله :( وليعلم الله ) أي الذي له جميع العظمة علم شهادة لأجل إقامة الحجة بما يليق بعقول الخلق فيكون الجزاء على العمل لا على العلم، وأوقع ضمير الدين عليه سبحانه تعظيماً له لأنه شارعه فقال :( من ينصره ) أي يقبل مجداً على الاستمرار على نصر دينه ) ورسله ( بالذب عنهم والدعاء إليهم، كاثناً ذلك النصر ) بالغيب ( من الوعد والوعيد، أي بسبب تصديق الناصر لما غاب عنه من ذلك، أو غائباً عن كل ما أوجب له النصرة، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ينصورنه ولا يبصرونه - انتهى.
فلم يدع سبحانه في هذه الآية لأحد عذراً بالرسل الذين هم الجنس مع تأييدهم بما ينفي عنهم اللبس، والكتاب العالي عن كلام الخلق، والعقل الذي عرف العدل، والسلاح الذي يرد أولي الجهل، كما قال ( ﷺ ) :( بعثت بين يدي الساعة بالسيف ) فبيان الشرائع بالكتاب، وتقويم أبواب العدل بالميزان، وتنفيذ هذه المعاني بالسيف، فإن مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها، فالملك والدين توأمان، فالدين بلا ملك ضائع، والملك من غير دين باطل، والسلطان ظل الله في الأض، فظواهر الكتاب للعوام، ووزن معارفه لأهل الحقائق


الصفحة التالية
Icon