صفحة رقم ٤٦٣
قال :( فما رعوها ) أي حفظوها كلهم بحفظ من هو مرتاع من خوف ضياعها ) حق رعايتها ( بصون العناية في رعاية الأعمال والأحوال والأقوال، فصون الأعمال توفيرها ورعاية الوقت الوقف مع حضور على بساط شهود الجلال - ذكره الرازي.
بل غلبت عليهم صفات البشر فقصر بعضهم عن عالي مداها، وانحطوا عن شامخ ذراها، هذا تنفير عظيم عن البدع، وحث شديد على لزوم ما سنه الله وشرع، وتحذير من التشديد، فإنه لن يشادّ الدين أحد إلا غلبه وهو الترحال إلى البدعة ولهذا أكثر في أهل الرهبانية المروق من الدين بالاتحاد والحلول وغير ذلك من البلايا ولو كان يظهر أن التشديد والتعمق خير لأن الشارع الذي أحاط علماً بما لم يحط به نهى عنه، وقد أفادت التجربة أنه قد يغر لأن هؤلاء ابتدعوا ما أرادوا الخير، فكان داعياً لكثير منهم إلى دار البوار، وفيه أيضاً حث عظيم على المداومة على ما اعتيد من الأعمال الصالحة خصوصاً، ماعمل النبي ( ﷺ ) عملاً إلا دوام عليه، وكان ينهى عن التعمق في الدين، ويأمر بالرفق والقصد.
ولما كانت متابعة النفس في التقصير بالإفراط قد توصل إلى المروق من الدين فيوجب الكفر فيحط على الهلاك كله، أشار إلى ذلك بقوله :( فآتينا ) أي بما لنا من صفات الكمال ) الذين آمنوا ) أي استمروا على الإيمان الكامل، ولعل في التعبير بالماضي بعد إرادة التعميم للأدنى والأعلى إشارة إلى إن المتعمق بين إيمان وكفر لا تجرد معصيته كما أشار إليه ختم الآية فهو في غاية الذم للتعمق والمدح للاتقصاد ) منهم ) أي من هؤلاء المبتدعين لأنهم رعوها حق رعايتها ووصلوا إيمانهم بعيسى ومن قبله عليهم الصلاة والسلام بإيمانهم بمحمد ( ﷺ ) الذي دعا إليه الخروج عن النفس الذي هو روح الرهبانية بموافقتهم لما في كتابهم من من البشائر به ) أجرهم ) أي اللائق بهم وهو الرضوان المضاعف.
ولما كانت متابعة الأهواء تكسب صفات ذميمة تصير ملكات راسخة للأنفس، أشار إلى ذلك بالعدول عن النهج الأول فقال :( وكثير منهم ) أي هؤلاء الذين ابتدعوا فضيعوا ) فاسقون ) أي عريقون في وصف الخروج عن الحدود التي حدها الله تعالى، روى البغوي من طريق الثعلبي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) قال :( من آمن بي فقد رعاها حق رعايتها، ولمن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون ) انتهى.
ومثل هذه