صفحة رقم ٤٧٥
رضي الله عنهم قد منع نفسه بالموقت منه من مرغوبها مما لم يأت عن الله، فظاهر من امرأته محافظة على كمال التعبد خوفاً من الجماع في نهار رمضان، وكان ذلك مما لم يأذن به بل نهى عنه كما روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه والطبراني في الأوسط على سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي ( ﷺ ) :( لا تشددوا على أنفسكم، فإنما هلك من كان قبلكم بتشديدهم على أنفسهم، وستجدون بقاياهم في الصوامع والديارات ) وكان بعض الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - قد ظاهر مطلقاً فشكت امرأته ما لحقها من الضرر إلى رسول الله ( ﷺ ) وهتفت باسم الله، وكان علمه سبحانه بخصوص شكاية هذه المرأة المسكينة وإزالة ضررها بحكم عام لها ولغيرها من عباده حتى صارت واقعتها رخصة عامة للمسلمين إلى يوم القيامة معلماً بأنه ذو الفضل العظيم، وأنه الظاهر الباطن، ذو الملك كله، وكان قد أمر بالإيمان به وبرسوله ووعد على ذلك بالنور، كان السامع لذلك جديراً بتوقع البيان الذي هو النور في هذه الرهبانية التي ابتدعت في هذه الأمة، وتخفيف الشديد الذي وقع عن بعضهم ليعلم أهل الكتاب ما لهذه الامة من الكرامة على ربها وأنه يختص برحمته من يشاء فقال :( قد سمع الله ) أي أجاب بعظيم فضله الذي أحاط بجميع صفات الكمال فوسع سمعه الأصوات ) قول ( وعبر بالوصف دون الاسم تعريفاً برحمته الشاملة فقال :( التي تجادلك ) أي تبالغ في أن تقبلك إلى مرادها ) في زوجها ) أي في الأمر المخلص له من ظهاره رحمة لها ) وتشتكي ) أي تتعمد بتلك المجادلة الشكوى، منتهية ) إلى الله ) أي الملك العظيم الرحيم الذي أحاط بكل شيء علماً، ولصدقها في شكواها وقطع رجائها في كشف ما بها من غير الله كانت هي والنبيُّ ( ﷺ ) متوقعين أن الله يكشف ضرها ) والله ) أي والحال أن الذي وسعت رحمته كل شيء لأنه له الأمر كله ) يسمع تحاوركما ) أي مراجعتكما التي يحور - أي يرجع فيها إلى كل منكما جواب كلامه من الآخر كأنها لثقل ما قدح في أمرها ونزل من ضرها ناشئة عن حيرة.
ولما كان ذلك في غاية ما يكون من خرق العادة بحيث إن الصديقة عائشة رضي الله عنها قالت عند نزول الآية :( الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد كلمت رسول الله ( ﷺ ) أنا في جانب البيت ما أسمع كثيراً مما تقول ) أكده تنبيهاً على شدة غرابته ولأنه ربما استبعده من اشتد جهله لعراقته في التقيد بالعادات فقال :( إن الله ) أي الذي


الصفحة التالية
Icon