صفحة رقم ٤٩٥
الحزن في قلوب ) الذين آمنوا ) أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع ما يؤذيهم، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب، حزنه وأحزنه بمعنى، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً، وحزنه : جعل فيه حزناً.
فعلى هذا قراءة نافع من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة.
ولما كان ربما خيل هذا من في قلبه مرض أن في يد الشيطان شيئاً من الأشياء، سلب ذلك بقوله :( وليس ) أي الشيطان وما حمل عليه من التناجي، وأكد النفي بالجار فقال :( بضارّهم ) أي الذين آمنوا ) شيئاً ( من الضرر وإن قل وإن خفي - بما أفهمه الإدغام ) إلا بإذن الله ) أي تمكين الملك المحيط بكل شيء علماً وقدرة، روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ( ﷺ ) قال :( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه ) ولما كان التقدير : فقد علم أنه لا يخشى أحد غير الله لأنه لا ينفذ إلا ما أراده، فإياها فليخش المربوبون، عطف عليه قوله :( وعلى الله ) أي الملك الذي لا كفوء له، لا على أحد غيره ) فليتوكل المؤمنون ) أي الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها، ولا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسره ولا بجهره، فإنه إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم إليه، لم يأذن في حزنهم، وإن لم يفعلوا أحزنهم، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة، وأما أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة.
المجادلة :( ١١ - ١٢ ) يا أيها الذين.....
) يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ( )
ما يحزن من السر لكونه اختصاصاً عن الجليس بالمقال فينشأ عنه ظن الكدر وتباعد القلوب، أتبعه الاختصاص بالمجلس الذي هو بماعدة الأجسام اللازم لها من الظن ما لزم من الاختصاص بالسر في الكلام فينشأ عنه الحزن، معلماً لهم بكمال رحمته وتمام رأفته بمراعاة حسن الأدب بينهم وإن اكن من أمور العادة دون أحكام العبادة، فقال مخاطباً لأهل الدرجة الدنيا في الإيمان لأنهم المحتاجون لمثل هذا الأدب :( يا أيها الذين آمنوا ( حداهم بهذا الوصف على الامتثال ) إذا قيل لكم ) أي من أيّ قائل كان فإن الخير يرغب فيه لذاته :( تفسحوا ) أي توسعوا أي كلفوا أنفسكم في إيساع المواضع ) وفي المجلس ) أي الجلوس أو مكانه لأجل من يأتي فلا يجد مجلساً.


الصفحة التالية
Icon