صفحة رقم ٤٩٩
تريدون أن ترتفعوا به ) صدقة ( تكون لكم برهاناً قاطعاً على إخلاصكم كما ورد أن الصدقة برهان، فهي مصدقة لكم في دعوى الإيمان التي هي التصديق بالله تعالى ورسوله ( ﷺ ) وبكل ما جاء به عن الله تعالى، ومعظمه الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، ولذلك استأنف قوله :( ذلك ) أي الخلق العالي جداً من تقديم التصدق قبل المناجاة يا خير الخلق، ولعله أفرده بالخطاب لأأنه لا يعلم كل ما فيه من الأسرار غيره.
وعاد إلى الأول فقالك ) خير لكم ) أي في دينكم من الإمساك عن الصدقة ) وأطهر ( لأن الصدقة طهرة ونماء وزيادة في كل خير، ولذلك سميت زكاة ) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( والتعبير بأفعل لأنهم مطهرون قبله بالإيمان.
ولما أمر بذلك، وكانت عادته أن لا يكلف بما فوق الوسع للتخفيف على عباده لا سيما هذه الأمة قال :( فإن لم تجدوا ) أي ما تقدمونه.
ولما كان المعنى الكافي في التخفيف : فليس عليكم شيء، دل عليه بأحسن منه فقال :( فإن الله ) أي الذي له جميع صفات الكمال، وأكده لاستبعاد مثله فإن المعهود من الملك إذا ألزم رعيته بشيء أنه لا يسقطه أصلاً ورأساً، ولا سيما إن كان يسيراً، ودل على أنه سبحانه لن يكلف بما فوق الطاقة بقوله :( غفور رحيم ) أي له صفتا الستر للمساوئ والإكرام بإظهار المحاسن ثابتتان على الدوام فهو يغفر ويرحم تارة بعدم العقاب للعاصي وتارة للتوسعة للضيق بأن ينسخ ما يشق إلى ما يخف، وهذه الآية قيل : إنها نسخت قبل العمل بها، وقال علي رضي الله عنه : ما عمل بها أحد غيري، أردت المناجاة ولي دينار فصرفته بعشرة دراهم وناجيته عشر مرات أتصدق في كل مرة بدرهم، ثم ظهرت فشق ذلك على الناس، فنزلت الرخصة في ترك الصدقة، وروى النسائي في الكبرى والترمذي وقال : حسن غريب وابن حبان وأبو يعلى والبزار عن علي رضي الله عنه أنه قال : لما نزلت قال رسول الله ( ﷺ ) :( مرهم أن يصدقوا ) قلت : بكم يا رسول الله ؟ قال :( دينار )، قلت : لا يطيقون.
قال :( فنصف دينار )، قلت : لا يطيقون، قال : فبكم ؟ قلت : بشعيرة : قال رسول الله ( ﷺ ) :( إنك لزهيد )، فأنزل الله تعالى ) أأشفقتم ( الآية.
وكان عليه رضي الله عنه يقول : بي خفف الله عن هذه الأمة.
وعدم عمل غيره


الصفحة التالية
Icon