صفحة رقم ٥
علماً منكم بأنه فخر لكم لا يقاربه فخر، وعز لا يدانيه عز، ثم يتأمل الإنسان منكم من خالفه فيه من بعيد أو قريب ولد أو والد إلى أن تدين له الخلائق، وتتصاغر لعظمته الجبال الشواهق، والآية ناظرة إلى آية فصلت
٧٧ ( ) ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا ( ) ٧
الآية ) فصلت : ٤٤ ].
ولما كانوا ينكرون تعظيمه عناداً وإن كانوا يقرون بذلك في بعض الأوقات، قال مؤكداً لذلك وتنبيهاً على أنه أهل لأن يقسم به، ويزاد في تعظيمه لأنه لا كلام يشبه، بل ولا يدانيه بوجه :( وإنه ) أي القرآن، وقدم الظرفين على الخبر المقترن باللام اهتماماً بهما ليفيد بادئ بدء أن علوه وحكمته ثابتة في الأم وأن الأم في غاية الغرابة عنده ) في أم الكتاب ) أي كائناً في أصل كل كتاب سماوي، وهو اللوح المحفوظ، وزاد في شرفه بالتعبير بلدى التي هي لخاص الخاص وأغرب المستغرب ونون العظمة فقال مرتباً للظرف على الجار ليفيد أن أم الكتاب من أغرب الغريب الذي عنده ) لدينا ( على ما هو عليه هناك ) لعليّ (.
لوما كان العلي قد يتفق علوه ولاتصحبه في علوه حكمة، فلا يثبت له علوه، فيتهور بنيانه وينقص سفوله ودنوه، قال :( حكيم ) أي بليغ في كل من هاتين الصفتين راسخ فيهما رسوخاً لا يدانيه فيه كتاب فلا يعارض في عليّ لفظه، ولا يبارى في حكيم معناه، ويعلو ولا يعلى عليه بنسخ ولا غيره، بل هناك مكتوب بأحرف وعبارات فائقة رائقة تعلو عن فهم أعقل العقلاء، ولا يمكن بوجه أن يبلغها أنبل النبلاء، إلا بتفهيم العلي الكبير، الذي هو على كل شيء قدير.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير، لما أخر سبحانه بامتحان خلف بني إسرائيل في شكهم في كتابهم بقوله :
٧٧ ( ) وإن الذين أورثوا الكتاب في بعدهم لفي شك منه مريب ( ) ٧
[ الشورى : ١٤ ] ووصى نبيه صلى الله عليه وسمل بالتبري من سيئ حالهم والتنزه عن سوء محالهم فقال
٧٧ ( ) ولا تتبع أهواهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ( ) ٧
الآية [ الشورى : ١٥ ] وتكرر الثناء على الكتاب العربي كقوله
٧٧ ( ) وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً ( ) ٧
[ الشورى : ٧ ] وقوله
٧٧ ( ) الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ( ) ٧
[ الشورى : ١٧ ] وقوله ) وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا ( - إلى آخر السورة، أعقب ذلك بالقسم به وعضد الثناء عليه فقال ) حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( ولما أوضح عظيم حال الكتاب وجليل نعمته به، أردف ذلك بذكر سعة عفوه وجميل إحسانه إلى عباده ورحمتهم وبكتابه مع إسرافهم وقبيح مرتكبهم فقال :( أفنضرب عنكم الذكر