صفحة رقم ٥٠١
فتهملوه، فالصلاة نور تهدي إلى المقاصد الدنيوية والأخروية، وتعين على نوائب الدارين، والصدقة برهان على صحة القصد في الصلاة.
ولما خص أشرف العبادات البدنية وأعلى المناسك المالية، عم فقال حاثاً على زيادة النور والبرهان اللذين بهما تقع المشاكلة في الأخلاق فتكون المناجاة عن أعظم إقبال وإنفاق فقال :( وأطيعوا الله ) أي الذي له الكمال كله فلم يشركه في إبداعه لكم على ما أنتم عليه أحد ) ورسله ( الذي عظمته من عظمته في سائر ما يأمر به فإنه ما أمركم لأجل إكرام رسولكم ( ﷺ ) إلا بالحنيفية السمحة، وجعل المحافظة على ذلك قائمة مقام ما أمركم به، ثم نسخه عنكم من تقديم الصدقة على النجوى.
ولما كان قد عفا عن أمر أشعر السياق بأنه وقع فيه تفريط، فكان ذلك ربما جرى على انتهاك الحرمات، رهب من جنابه بإحاطة العلم، وعبر بالخبر لأن أول الآية وبخ على أمر باطن ولم يبالغ بتقديم الجار لما فيها من الأمور الظاهرة.
فقال عاطفاً على ما تقديره : فالله يحب الذين يطيعون :( والله ) أي الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً ) خبير بما تعملون ) أي تجددون عمله، يعلم بواطنه كما يعلم ظواهره.
ولما أخبر بإحاطة علمه ردعاً لمن يغتر بطول حلمه، دل على ذلك باطلاعه على نفاق المنافقين الذي هو أبطن الأشياء، فقال معجباً مرهباً معظماً للمقام بتخصيص الخطاب بأعلى الخلق ( ﷺ ) تنبيهاً على أنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره :( ألم تر ( ودل على بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال :( إلى الذين تولوا ) أي تكلفوا بغاية جهدهم أن جعلونا أولياءهم الذين ينزلون بهم أمورهم ) قوماً ( ابتغوا عندهم العزة اغتراراً بما يظهر لهم منهم من القوة ) غضب الله ) أي الملك الأعلى الذي لا ند له ) عليهم ) أي على المتولين والمتولَّين لأنهم قطعوا ما بينهم وبينه، والأولون هم المنافقون تولوا اليهود، وزاد في الشناعة عليهم بقوله مستأنفاً :( ما هم ) أي اليهود المغضوب عليهم ) منكم ( أيها المؤمنون لتوالوهم خوفاً من السيف ورغبة في السلم ) ولا منهم ) أي المنافقين، فتكون موالاتهم لهم لمحبة سابقة وقرابة شابكة، ليكون ذلك لهم عذراً، بل هم مذبذبون، فهم مع المؤمنين بأفواقهم، ومع الكفار بقلوبهم، فما تولوهم إلا عشقاً في النفاق لمقاربه ما بينهم فيه، أو يكون المعنى : ما المنافقون المتولون من المسلمين ولا من اليهود المتولين، وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء الحالم على كل رذيلة، فقال ذاكراً لحالهم في هذا الاتحاد :( ويحلفون ) أي المنافقون يجددون الحلف على الاستمرار، ودل بأداة الاستعلاء على أنهم في غاية الجرأة على استمرارهم على الإيمان الكاذبة بأن التقدير : مجترئين ) على الكذب ( في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام، فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان.


الصفحة التالية
Icon