صفحة رقم ٥٠٣
من إيمان ) جنة ) أي وقاية وتسرة من كل ما يفضحهم من النفاق كائناً ما كان، أو يوجب قتلهم بما يقع منهم من الكفران.
ولما كان علمه بأنه يرضى منهم بالظاهر ويصدق إيمانهم هو الذي جرأهم على العظائم، فكانوا يرغبون الناس في النفاق بعاجل الشهوات وثبطونهم عن الدين بما فيه من عاجل الكلف وآجل الثواب، سبب عن قبول إيمانهم قوله مظهراً بزيادة التوبيخ لهم :( فصدوا ) أي كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سبباً لإيقاهم الصد ) عن سبيل الله ) أي شرع الملك الأعلى الذي هو الطريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز الأعظم، فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهون أمره ويحقرونه، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الحانثة وردت عليهم الأرزاق استدراجاً وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونهم من أقوالهم المؤكدة بالإيمان غره ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم، وسنج على منوالهم، غروراً بظاهر أمرهم، معرضاً عما توعدهم الله سبحانه عليه من جزاء خداعهم ومكرهم، وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال :( فلهم ) أي فتسبب عن صدهم أنهم كان لهم ) عذاب مهين ( جزاء بما طلبوا بذلك الصد إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام.
ولما كان لهم أموال وأولاد يتعززون بها، قال مستأنفاً دالاًّ على أن من استتر بجنة دون طاعته لتسلم دنياه وراءه تكشف لسهام التقدير من حيث لا يشعر، ثم لا دينه يبقى ولا دنياه تسلم :( لن تغني ) أي بوجه من الوجوه ) عنهم ) أي في الدنيا ولا في الآخرة بالافتداء ولا بغيره ) أموالهم ( وأكد النفي بإعادة النفي للتنصيص على كل منهما فقال :( ولا أولادهم ) أي بالنصرة والمدافعة ) من الله ( إي إغناء مبتدئاً من الملك الأعلى الذي لا كفوء له ) شيئاً ) أي من إغناء ولو قل جدّاً، فمهما أراد بهم سبحانه كان ونفد ومضى، لا يدفعه شيء تكذيباً لمن قال منهم : لئن كان يوم القيامة لتكونن أسعد فيه منكم كما نحن الآن ولننصرن بأفنسنا وأموالنا وأولادنا.
ولما انتفى الإغناء المبتدئ من الله فانتفى بانتفائه كل إغنائه سواه، أنتج ذلك قوله :( أولئك ) أي البعداء من كل خير ) أصحاب النار ( ولما أفهمت الصحبة الملازمة، أكدها بقوله :( هم ) أي خاصة لاضمحلال عذاب غيرهم - لكونهم في الهاوية - في جنب عذابهم ) فيها ) أي خاصة دون شيء يقصر عنها ) خالدون ) أي مقيمون باقون دائمون لازمون إلى غير نهاية.
ولما كان إفسادهم لذات البين سراً، وحلفهم على نفي ذلك جهراً مع الإلزام بقبول ما ظهر من ذلك منهم مع علمه سبحانه وتعالى بأنه كذب غائظاً موجعاً، وكان ربما توهم متوهم أنه تعالى كما ألزم بقبولنا لما ظهر منهم في دار العمل يأمر بقبولهم في


الصفحة التالية
Icon