صفحة رقم ٥٠٦
منهم بأنه الأذل مطلقاً من غير مفضل عليه ليعم كل من يمكن منه ذل، وذلك في الدنيا والآخرة سواء كانوا فارس والروم أو أعظم منهم سواء كانوا ملوكاً كفرة كانوا أو فسقة، كما قال الحسن : إن للمعصية في قلبوهم لذلاً، وإن طقطقت بهم اللجم.
ولما أنزلهم بالحضيض الأسفل، علل ذلك بما يدل على أنه سبحانه لا شريك له بإتما كلماته بنصر أوليائه على ضعفهم وخذلان أعدائه على قوتهم لأنه سبحانه لا غيب محض لا دلالة عليه إلا بأفعاله فقال :( كتب ) أي فعل فعل من أبرم أمراً ففرغ منه وكتبه فأوجب وحتم وقضى وبت ) الله ) أي الملك الذي لا كفوء له ) لأغلبنَّ ( أكد لما لهم من ظن الغلب بالكثرة والقوة ) أنا ورسلي ) أي بقوة الجدال وشدة الجلاد، فهو صادق بالنسبة إلى من بعث بالحرب، وإلى من بعث بالحجة، وعلل هذا القهر بقوله مؤكداً لأن أفعالهم مع أوليائه أفعال من يظن ضعفه :( إن الله ) أي الذي له الأمر كله ) قوي ( فهو يفيض من باطن قوته من يظهر به ظاهر قدرته أوليائه، فإن القوي من له استقلال باطن بما يحمله القائم في الأمر ولو ضوعف عليه ما عسى أن يضاعف وحمايته مام يتطرق إلى الإجلال بشدة وبطش منبعث عن ذلك الاستقلال الباطن، وما ظهر من أثر ذلك فهو قدرة، فلا اقتدار يظهر من الخلق إلا بالاستناد إلى القوة بالله، ولا قيام بالحقيقة لباطن إلا بالله الذي بيده ملكوت كل شيء، فلذلك كان بالحقيقة لا قوي إلا هو.
ولما كان القوي من المخلوقات قد يكون غيره أقوى من غيره ولو في وقت، نفى ذلك بقوله :( عزيز ) أي غالب غلبة لا يجد معها المغلوب نوع مدافعة وانفلات، ثابت له هذا الوصف دائماً.
ولما ظهر بهذا كالشمس أن من والاه سبحانه كان فائزاً، ومن عاداه كان خاسراً، كانت نتيجته قطعاً التحذير من موالاة أعداء الله في سياق النفي المفيد للمبالغة في النهي عنه والزجر عن قربانه فقال :( لا تجد ) أي بعد هذا البيان ) قوماً ) أي ناساً لهم قوة على ما يريدون محاولته ) يؤمنون ) أي يجددون الإيمان ويديمونه ) بالله ) أي الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ) واليوم الآخر ( الذي هو موضع الجزاء لكل عامل بكل ما عمل، الذي هو محط الحكمة ) يوادون ) أي يحصل منهم ودل لا ظاهراً ولا باطناً - بما أشار إليه الإدغام وأقله الموافقة في المظاهرة ) من حاد الله ) أي عادى بالمناصبة في الاحدود الملك الأعلى لذلك فالمحادة لا تخفى وإن كانت باطنة يستتر بها زيادة النفرة منهم ) ورسوله ( فإن من حاده فقد حاد الذي أرسله، بل لا تجدهم إلا يحادونهم، لا أنهم يوادونهم، وزاد ذلك تأكيداً بقوله :( ولو كانوا آباءهم ( الذين


الصفحة التالية
Icon