صفحة رقم ٥١١
أتبعه سبحانه وتعالى تنزيه نفسه جل وتعالى فقال :( سبح لله ما في السماوات وما في الأرض ( وإنما يرد مثله من التنزيه أثر جريمة تقع من العباد وعظيمة يرتكبونها وتأمل ذلك حيث وقع، ثم عاد الكلام إلى الإخبار بما فعل تعالى بأهل الكتاب مما يتصل بما تقدم، ثم تناسجت الآي - انتهى.
ولما نزه نفسه الأقدس دل على ذلك التنزه على العزة والحكمة بدليل شهودي من أنه أنفذ ما كتب من أنه يغلب هو ورسله ومن أنه كبت الذين حادوه وخيب ظن الذين نافقوا، فتولوا اليهود من أهل الكتاب ليعتزوا بهم، فأذل اليهود وطردهم من مهبط الوحي وأخزى المنافقين الذي جعلوهم محط اعتمادهم وموضع ولا يتهم وودادهم، فقال :( هو ) أي وحده من غير إيجاف خيل ولا ركاب ) الذي أخرج ( على وجه القهر ) الذين كفروا ) أي ستروا ما في كتبهم من الشواهد التي تشهد لمحمد ( ﷺ ) بأنه النبي الخاتم وما في فطرهم الأولى من أن اتباع الحق أحق، وقبح عليهم كفرهم بقوله موضع ) من بني النضير ( أو ) اليهود ( مثلاً :( من أهل الكتاب ) أي الذي أنزله الله على رسوله موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم، وفي التعبير ب ) كفروا ( إشعار بأنهم الذين أزالوا بالتبديل أو الإخفاء ما قدروا عليه مما بقي من التوراة دالاًّ على نبوة محمد ( ﷺ ).
ولما كان الوطن عديل الروح لأنه للبدن كالبدن للروح، فكان الخروج منه في غاية العسر، دل على مزيد قهرهم به بأن قال :( من ديارهم ( ولما كان كان منهم من جلا من المدينة الشريفة إلى خيبر، وهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أحطب ولحق سائرهم بأريحا من أرض الشام أرض المحشر، ولحق بعضهم بالحيرة، لوح إلى فتح خيبر وحشرهم منها حشراً ثانياً بقوله معللاً أو موقتاً :( لأول ) أي لأجل أول أو عند أول ) الحشر ( وفي ذلك إشارة إلى أن كل بلد حشروا إليه سيفتح، ويزلزلون منه زلزلة أخرى، لا تزال مصائبهم بأهل الإسلام قائمة حتى يكون الحشر الأعظم بالقيامة، والحشر : الجمع من مكان والسوق إلى غيره بكره، وسمي أولاً لأنهم أول من أجلي من اليهود من جزيرة العرب، والحشر الثاني لهم من خيبر على زمن عمر رضي الله عنه، وعند ابن إسحاق أن إجلاءهم في مرجع النبي ( ﷺ ) من أحد وفتح قريظة في مرجعه من الأحزاب وبينهما سنتان، قال لهم النبي ( ﷺ ) :( اخرجوا ) قالوا : إلى أين، قال :( إلى أرض المحشر )، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : من شك أن المحشر بأرض الشام فليقرأ


الصفحة التالية
Icon