صفحة رقم ٥٣٦
أو الغافل عنه تنبيهاً لهم على غلطهم وإيقاظاً من غفلتهم :( لا يستوي ) أي بوجه من الوجوه ) أصحاب النار ( التي هي محل الشقاء الأعظم ) وأصحاب الجنة ( التي هي دار النعيم الأكبر لا في الدنيا ولا في الآخرة وهي من أدلة أنه لا يقتل مسلم بكافر.
ولما كان نفي الاستواء غير معلم في حد ذاته بالأعلى من الأمرين، كان هذا السياق معلماً بما حفه من القرائن بعلو أهل الجنة، صرح به في قوله :( أصحاب الجنة هم ) أي خاصة ) الفائزون ( المدركون لكل محبوب الناجون من كل مكروه، وأصحاب النار هم الهالكون في الدارين كما وقع في هذه الغزوة لفريقي المؤمنين وبني النضير ومن والاهم من المنافقين، فشتان ما بينهما.
ولما كان قد مر في هذه السورة فضلاً عما تقدمها من حكمة هذا القرآن وإعجازه تارة بمطابقته لما نزل بسببه مطابقة تجلو عنه كل إشكال، وتارة بما يشاهد من صدقه فيما أخبر بإتيانه من الأفعال، وأخرى بما يتدى به من الأقوال، ومرة بنظم كل جملة مع ما تقدمها على ما لم يكن لبشر مثله في الأحوال إلى غير ذلك من أمور لا يحصرها المقال، ترتب على ذلك قوله مبيناً أن سبب افتراق الفريقين في العقبى افتراقهم في هذا القرآن في الأولى تمثيلاً للقلوب في قسوتها أو لينها عند سماع القرآن وتخيلاً توبيخاً للقاسي ومدحاً للعاطف اللين لافتاً القول إلى أسلوب العظمة لاقتضاء الحال لها :( لو أنزلنا ( بعظمتنا التي أباها هذا الإنزال ) هذا القرآن ) أي الجامع لجميع العلوم، الفارق بين كل ملتبس - المبين لجميع الحكم ) على جبل ) أي أي جبل كان ) لرأيته ( مع صلابته وفوته يا أشرف الخلق إن لم يتأهل غيرك لمثل تلك الرؤية ) خاشعاً ) أي مطمئناً مختباً على صلابته متذللاً باكياً ) متصدعاً ) أي متشققاً غاية التشقق كا تصدع الطور لتجلينا له بما دون ذلك من العظمة التي جلونا كلامنا الشريف لموسى عليه السلام في ملابسها ) من خشية الله ) أي من الخوف العظيم من له الكمال كله حذراً من أن لا يكون مؤدياً ما افترض عليه من تعظيم القرآن عند سماعه فما لابن لآدم وقد آتاه الله من العقل ما لم يؤت الجبل يستخف بحقه، ويعرض عما فيه من العبر، وفي الآية مدح للنبي ( ﷺ ) في ثباته لما لا تثبت له الجبال، وذم للمعرضين بكونهم أقسى من الجبال.
ولما كان التقدير تبكيتاً وتوبيخاً لمن لم يرق للقرآن
٧٧ ( ) أفلم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ( ) ٧
[ الحديد : ١٦ ] فإنا قد فصلنا لهم الحلال والحرام والأمر والنهي وأوضحنا الحكم ودللنا على المتشابه وقصصنا الأقاصيص بعد جعلهم عقلاء ناطقين، فتلك أقاصيص الماضين لعلهم يعتبرون عطف عليه قوله :( وتلك الأمثال ) أي التي لا يضاد فيها شيء ) نضربها للناس ) أي الذي يحتاجونها


الصفحة التالية
Icon