صفحة رقم ٥٤٣
ألف ما شتتوا كالقاطع عضواً لا يقدر على لأمه، والهادم بناء لا يقدر على رمه على حده، والكاسر شيئاً لا يقدر على وصله، فلأن الخلق لا يحيطون بتقدير ما يسرعون في قدره ولا يقدرون بعد الفرق والفري على رمه ووصله كان المحيط التقدير في الشيء من جميع جهاته وجملة حدوده، القادر على جمع ما فرق الذي كما بدء أول خلق يعيده هو أحسن الخالقين، وتلايح تحت هذا اللبس في إطلاق اسم الخالق على الخالق الحق ذي الحول والقوة والقدرة والإحاطة والأبداء والإعادة، وعلى الخالق من الخلق المقدر بغير إحاطة علم ولا تأصيل حول ولا قدرة، ولا إتمام إبداء لاحظ من إعادة أنه لا خالق إلا الله كما أنه لا معيد لما بدأ إلا الله، وأن ليس إطلاق هذا الاسم على الخلق مبدأ فتنته التي يضل بها نم يشاء ويهدي من يشاء، وتحقيق أفراد الخلق لله فيما ظهر على أيدي أهل الملك والملكوت وإحاطة جبروته بما ظهر وما بطن من أعمالهم وصنائعهم، هو أول مجمع من مجامع التوحيد، وهو أساس لإيمان أمة محمد ( ﷺ )، حيث فرض عليهم في الفاتحة ) إياك نعبد وإياك نستعين ( فهم خير أمة أخرجت للناس حيث أخلصوا الدين لله، ولموقع الشرك فيه كان القدرية مجوس هذه الأمة.
ولما كان الخالق الحق هو من أتقن التقدير والبريء وإن كان إغلب الخلق لقصورهم لا يفهمون منه إلا مطلق التقدير كما قال شاعرهم :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
أردفه تنبيهاً على ذلك وتصريحاً وتأكيداً قوله :( البارئ ) أي الذي يدقق بما وقع به التقدير ويقطعه ويصلحه لقبول الصورة على أتم حال، فإن كان من المحيط العلم كان تمام التهيؤ للصورة على كمال المشيئة فيها، وإن كان ممن لا يحيط علماً طرأ له في البرء من النقص عن التمام ما لا يمكن معه حصول المقصود في الصورة، ولا يكاد يقع الإحسان للخلق في مصوراتهم إلا وفاقاً لا يعلمون كنهه ولا يثقون بحصوله.
ولما كان من يهيئ الأمور للتصوير قد لا يتقنه قال :( المصور ( فإن التصوير إتمام تفصيل الخلق الظاهر وإكمال تخطيطه وإحكام أعضائه وهو حد ما انتهى إليه الخلق في الظهور، وليس وراء ظهور الصور كون إلا لطائف تطويرها في إسنان كمالها بعد بعثها بإحيائها بما لها من الروح المقوم لها سواء كان حيوانياً أو غيره إلى غاية كما لها الذي يعطيه المصور لها إفضالاً ومزيجاً ويظهره إبداعاً، ويتضح الفرق جداً بين الأسماء الثلاثة بالبناء فإنه يحتاج أولاً إلى مقدر يقدر ما لا بد منه من الحجر واللبن والخشب والحديد ومساحة الأرض وعدد الأبنية وطولها وعرضها، وهذا يتولاه المهندس فيرسمه وهو الخلق ثم يحتاج إلى حجار ينحت الحجارة ويهيئها لتصلح لمواضعها التي تكون