صفحة رقم ٥٥٤
وإن كنتم أقرب الناس إلينا ولا ناصر لنا منهم غيركم.
ولما تبرؤوا منهم أتبعوه ما هو أعظم عندهم منهم وهو سبب العداوة فقالوا :( ومما تعبدون ) أي توجدون عبادته في وقت من الأوقات الماضية المفيد التعبير عنها بالمضارع تصوير الحال أو الحاضرة أو الآتية كائناً من كان لا نخاف شيئاً نم ذلك لأن إلهنا الذي قاطعنا كل شيء في الانقطاع إليه لا يقاويه شيء، ولا تقدرون أنتم مع إشراككم به على البراءة منه.
ولما كانوا مشركين قالوا مستثنين ومبينين لسفول كل شيء عن متعالي مرتبة معبودهم :( من دون الله ) أي الملك الأعظم الذي هو كاف لكل مسلم.
ولما كانت البراءة على أنحاء كثيرة، بينوا أنها براءة ا لدين الجامعة لكل براءة فقالوا :( كفرنا بكم ) أي أوجدنا الستر لكل ما ينبغي ستره حال كوننا مكذبين بكل ما يكون من جهتكم من دين وغيره الذي يلزم منه الإيمان، وهو إيقاع الأمان من التكذيب لمن يخبرنا بسبب كل ما يضاده مصدقين بذلك.
ولما كان المؤمن على جبلة مضادة لجبلة الكافر، عبر بما يفهم أن العداوة كانت موجودة ولكنها كانت مستورة، فقال دالاً على قوتها بتذكير الفعل :( وبدا ) أي ظهر ظهوراً عظماً، وعلى عظمتها بالدلالة بنزع الخافض على أنها شاحنة لجميع البينين فقال :( بيننا وبينكم ) أي في جمع الحد الفاصل بين كل واحد منا وكل واحد منكم ) العداوة ( وهي المباينة في الأفعال بأن يعدو كل على الآخر ولا يكون ذلك إلا عندما يتسخف الغيظ الإنسان لإرادة أن يشفي صدره من شدة ما حصل له من حرارة الخنق.
فالعداوة مما يمتد فيكون مالئة لظرفها، قال الشيخ سعد الدين التفتازاني في تلوحيه على توضيح صدر الشريعة في أوائله في علاقات المجاز : الفعل المنسوب إلى ظرف الزمان بواسطة تقدير ( في ) دون ذكره يقتضي كون الظرف معياراً له غير زائد عليه مثل صمت الشهر، يدل على صوم جميع أيامه بخلاف صمت في الشهر، فإذا امتد الفعل الظرف ليكون معياراً له فيصح حمل اليوم - في نحو صرت يوم كذا - على حقيقته، وهو ما يمتد من الطلوع إلى الغروب، وإذا لم يمتد الفعل - يعني مثل حمل اليوم على النهار الممتد بل يجب أن يكون مجازاً عن جزء من الزمان الذي لا يعتبر في الغرف ممتداً، وهو الآن سواء كان من النهار أو من الليل بدليل قوله تعالى :
٧٧ ( ) ومن يولهم يومئذ دبره ( ) ٧
[ الأنفال : ١٦ ] فإن التولي عن الزحف حرام ليلاً كان أو نهاراً ولأن مطلق الآن جزء من الآن اليومي وهو جزء من اليوم، فيكون مطلق الآن جزءاً من اليوم، فتحقق العلاقة.
ولما كان ذلك قد يكون لغير الغض بل لتأديب ونحوه قالوا :( والغضاء ( أي


الصفحة التالية
Icon