صفحة رقم ٥٧٦
موسى عليهما الصلاة والسلام الذين أرسل إليهم وثبتت نبوته لديهم بالمعجزات مع إخلاص الدعوة لله وتصديق من كان قبله من أهل الله :( يا بني إسرائيل ( وذكرهم بما كان عليه أبوهم من الدين وما وصى به نبيه من التمسك بالإسلام، ولم يعبر بالقوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا أب له فيهم وإن كانت أمه منهم، فإن النسب إنما هو من جهة الأب، وأكد لإنكار بعضهم فقال :( إني رسول الله ) أي الملك الأعظم الذي أحاط علمه بكل شيء ) إليكم ) أي لا إلى غيركم، حال كوني ) مصدقاً ( نصبه بما في الرسول من رائحة الفعل ولا ينصب ب ( إليكم ) لأنه صفة للرسول، وحروف الجر لا تعمل بأنفسها بل بما فيها من معنى الفعل، فإذا كانت صلات لم تكن متضمنة لمعنى فعل فلا تعمل، وهو الحرف الذي يسمى في غير ( الكتاب العزيز ) لغواً ) لما بين يدي ) أي تقدمني وكان من قبلي ) من التوراة ( التي تعلمون أن الله تعالى أنزلها على موسى عليه الصلاة والسلام وهي أول الكتب التي نزلت بعد الصحف وحكم بها النبيون، فتصديقي لها مع تأييدي لها مؤيد لأن ما أقمته من الدلائل حق ومبين أنها دليلي فيما لم أنسخه منه كما يستدل الإنسان بما قدامه من الأعلام ويراعيه ببصره.
ولما ذكر أول الكتب ذكر أيضاً أول الأنبياء خلقاً وآخرهم بعثاً وهو آخر الرسل ليكون في ذلك إشارة إلى أن البشراة به في التوراة والإنجيل فقال :( ومبشراً ) أي في حال تصديقي للتوراة.
ولما كانت رسالته ( ﷺ ) عامة لجميع الخلق لم يذكر في رسالته حرف الغاية كما ذكر في الرسالتين المذكورتين قبل فقال :( برسول ) أي إلى كل من شملته المربوبية ) يأتي ( ولما كان إتيانه بعده بمدة طويلة أدخل الجار فقال :( من بعدي ( ولما كان الإتيان بغاية البيان وإزاحة اللبس بكل اعتبار أقعد في العتاب لمن هفا بعده والأخذ لمن جفا فنقض عهده، أتى بالاسم الذي ما شارك النبي ( ﷺ ) فيه أحد في زمانه ولا قبله أصلاً، ووزنه دال على المبالغة في معناه فقال :( اسمه أحمد ) أي دال على أنه أبلغ الخلق حامداً ومحموداً وهو اسمه ( ﷺ ) في السماء التي سيصير إليها هذا المبشر، وفي تخصيصه بالذكر احتراز عن أن يتوهم أن البعدية في الرتبة لأنه يليح بتصديره بالهمزة التي هي أول الحروف مخرجاً وأشد حروف الحلق الذي هو أول المخارج وتضمينه الميم إلى أنه ( ﷺ ) كما أنه خاتم بما أشار إليه أشهر أسمائه وأعظمها ( محمد ) لابتدائه المخارج، لا نبي بعده فهو فاتح مقدم باعتبار الذكر والشرف والحكم بالوصف الشريف لا نبي قبله في الخلق وجبت له النبة وإن آدم لمنجدل في طينه وبين الروح والجسد كما